كم الثناء الذى تدفق على شخص المغفور لها – إن شاء الله تعالى – الدكتورة عبلة الكحلاوى، ليس بعد وفاتها فحسب، وإنما حال حياتها أيضا، جعلنى اتذكر عبارة طالما سمعتها من أبى – عليه رحمة الله ورضوانه -: “ألسنة الخلق أقلام الحق” ،
وماكنت أحسبها من كلام النبوة، ولها ما يعضدها فى الكتاب والسنة، فمن الخصائص التي فضل الله عز وجل بها أمة الإسلام عن غيرها: أنها تشهد على جميع الأمم، وتقبل شهادتها عند الله عز وجل،
وفي المقابل لا تشهد عليها أي أمة من الأمم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “يُدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلغ ” :وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً”، فذلك قوله تعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً” (البقرة: 143). رواه البخاري.
وهذه الشهادة من أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا تقتصر على قوم نوح عليه السلام فقط، بل هي شاملة للأمم كلها.
وهذه الخصيصة لم تثبت لأحد من الأنبياء،غير النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وقبول الله تعالى لشهادة أمته لا يقتصر على شهادتها على بقية الأمم يوم القيامة، بل تعدى ذلك، فقد قبل الله عز وجل شهادتها على من مات من أبنائها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “مُرَّ بجنازة فأُثْنِيَ عليها خيرا، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، ومُرَّ بجنازة فأثني عليها شرّاً، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، قال عمر: فدى لك أبي وأمّي، مُرّ بجنازة فأثني عليها خير فقلتَ: وجبت وجبت وجبت، ومرّ بجنازة فأثني عليها شرّ فقلت: وجبت وجبت وجبت؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنّة، ومن أثنيتم عليه شرّاً وجبت له النّار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض” رواه البخاري.
فالمؤمن الحق له البشرى في هذه الحياة الدّنيا، وله البشرى عند مفارقة الدّنيا، وله البشرى في الآخرة،عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أهل الجنة، من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء النّاس خيرا وهو يسمع، وأهل النّار، من ملأ الله تعالى أذنيه من ثناء النّاس شرّا وهو يسمع” (رواه ابن ماجة في سننه، وفى صحيح الجامع، ورواه الحاكم والبزار عن أنس رضي الله عنه)، وقال الله عز وجلّ: “أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 62-64]،
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرّجل يعمل العمل من الخير، ويحمده النّاس عليه؟ قال: “تلك عاجل بشرى المؤمن” (رواه مسلم)، بخلاف من يعمل العمل ليُحمد عليه، أو من يُحب أن يُحمد بما لم يعمل؛فهذا قد توعدّه الله جل وعلا بأليم العذاب، قال تعالى: “لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (آل عمران:188).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “قال رجل يا رسول الله متى أكون محسناً ومتى أكون مسيئاً؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إذا أثنى عليك جيرانك أنك محسن فأنت محسن، وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء فأنت مسيء” (رواه ابن عساكر في تاريخه صحيح الجامع).
نسأل الله حسن الخاتمة.