عندما يدرك المرء منا ماهيته وكنه وجوده يقتضى الحال بأن عليه اكتشاف انتماء ذاته الى اى الإتجاهات الأربع تدله بوصلته, وكيف تقوده ذاته الى زمرة صفات كل جهة , اما تتقدم به الى الامام وترتقى به الى الاعلى , او تتراجع معه الى الخلف وتسحبه ناحية التدنى والهبوط , لذا من الضرورة ادراك الانسان لماهية وجوده بشكل يمكّنه من اكتشاف طاقات الخلق وامكانات الابداع الكامنة فى خفايا ذاته, ويبقى الفعل الدائر بين الضمير والعقل والروح والنفس محركا محوريا لاكتساب السمات الحضارية من عدمه لذات هذا الانسان , وكما ان لكل ذات حرية الانتماء ما بين الذات المتطورة المتغيرة المتحركة او تلك الذات الثابتة الجامدة المتبلدة الرجعية, أو لهذه الذات الموقرة ونقيضتيها الطافية والهشة, ويأتى الدور الآن على اختيار الانسان لذات فاعلة أو ذات مفعول بها , وهذا السؤال الكامن فى خفايا كل منا يبحث دائما عن اجابة وحيدة غير متلونة وليست خادعة , ومَن أحمق ممن يخدع ذاته ؟!, لذا وجب البحث فى الباطن من اسرار النفس , وعنها اسرد مصطفى محمود عن تشبيهه للنفس ببرادة الحديد بين مجالين مغناطيسيين هما الروح والجسد , هى فى توتر دائم الى اى الجهتين تنتمى وتذهب , ومحاورة العقل كما فعلها افلاطون عن استاذه سقراط , وترجمها لنا عن النص الانجليزى لصاحبه بنيامين جويت – استاذ الكثرين منا – زكى نجيب محمود , وعلى الانسان اعمال عقله كما فى اعظم ادبيات فردريك نيتشه التى لم يتمها “ارادة القوة ” التى تحدث فيها عن :”الفكر هو اقوى شىء من الممكن ان تجده فى الحياة” , وهو من تغنى بعلمه العميق بالنفس واسرارها أيضا , ورابع مكونات الانسان هو هذا الضمير الذى يعنى شخصية المرء منا فى احسن صورها العقلانية والضمير هو الأنا العليا كما شرح سيجموند فرويد , ونعود لهذه المكونات الاربع النفس والعقل والروح والضمير التى تشكل سمات الفعل الايجابى المتحقق , فصاحبها يسعى للأفضلية – الاخلاقية – دائما ليملك مبادرة التغير من الثبات الى الحركة , ومن الجمود الى الفعل , وتلك الذات ترغب فى امتلاك فنون الانتصار مثل المبادأة , والمفاجأة , والحشد , والتخطيط – الواقعى – والأهم الطموح والأمل وهما حطب النجاح ووقود التطور , فالذات الفاعلة ذات محركة للاشياء المتعارف عليها لغويا : انها كل ما خلا الانسان من جمادات وحيوانات وبقية الكائنات , وهى ما يطلق عليها الاشياء , ولغويا لا تطلق مفردة “شىء” على الانسان على الاطلاق الا لتحقير عمله او نفى وجوده وتجاهل اثره , ولذا تسعى الذات الفاعلة لخلق جمهور من الشغيلة والتابعين معدومى الارادة لينضموا الى مجال الاشياء المراد تحويلها واعادة تشكيلها للانتاج اليات ومسببات التطور والارتقاء لهذه الذات الفاعلة , وعلى الشغيلة ان يتطوعوا بتقديم ارادتهم كقرابين للذات الفاعلة او يُجبروا على تقديمها !, وهم من يطلق عليهم اصحاب الذات المفعول بها , وقد تكون تلك الذات تتميز بغنى مالى او قدارات سلطوية او قوة بدنية او حتى مقدرات طبيعية ثرية لكنها لا تستطيع الا ان تمارس دور المفعول به , ومن الجائز ان تتبادل الادوار تاريخيا بين الاجيال والاماكن , فتجد امة كانت تقود العالم الانسانى وتنازلت عن دور الريادة وتراجعت لمصاف المفعول بهم , وهكذا الايام تتداول الا لمن يملكون سمات القيادة والفعل , ولا شك انه ليس حديثا عنتريا ان يتصف المصريون دون غيرهم بصفات الفعل لانهم – علميا – يمتلكون خبرات معرفية متراكمة وعميقة عن كيقية تطور الانسان الفرد وتحضّر المجتمع الكل , وكتابات المنصفين الغربيين العلميين هم من ردوا الحق لاصحابه كما فى” فجر الضمير” لهنرى جميس بريستيد , و” مصر اصل الشجرة ” لسيمسون نايوفتس , وغيرهما كثيرين , وفقط ينقصنا العودة لسمات المصريين الاوائل وما اتصفوا به من صفات جعلتهم اصحاب السبق الانسانى ورواد الفعل الحضارى , لذا من السهل جدا على المصرى ان يكون فاعلا مؤثرا فى افلاك الحياة الانسانية العلمية والدينية والصناعية والزراعية والابداعية والتنموية والعمرانية والصحية والاخلاقية وغيرها المحردة والملموسة , وعلى الانسان ان تتوجه لذاته بالسؤال الاختيارى : ” الى اى الطرق ستسلك ذاته ؟ ام ستنتظر من يأخذ بلجامها كالاشياء يوجهها كما يشاء ؟!” , تحتشد ادبيات علمى الاجتماع والاعلام بنظريات كالتى يطلق عليها “العربة المعصوبة” تلك التى تتطوع بالاسر وترك زمام امرها لغيرها يفعل بها كيفما يشاء ووقتما يشاء , تاركة اقدس قدرات الانسان وهى “ارادة الحياة” , فهل ترضى لذاتك ان تكون مسئولة عن .. او مسئولة من ..؟! , ولا يضير المجتمع من ان تكون غالبية افراده ان لم يكن كلهم من الفاعلين فهذا – فقط – هو سبب تطور الامم وارتقاء اناسها , وسيأتى الحديث عن الذات المسئولة والذات المتواكلة , ونستكمل فى القادم ان شاء الله لنبنى أركانا جديدة فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وادراكه لامكاناته فى التغيير, وعلى الانسان ان يعيد تقيم ذاته ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية قط وانما الباطنة أيضا, ويعود كما كان اجداده الأصل واصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول به!.