الدكتور إسلام قناوي يكتب : صناعة النجاح …. وصناعة الفشل

دائما ما يراودني تساؤل كلما ظهر نجم مصري جديد في سماء العالمية و أري توهجه وارتفاع أسهمه سواء في المجال العلمي أو الرياضي أو أي مجال آخر ، هل كان سيحقق كل هذا النجاح والتفوق والتميز إذ لم يسافر أو يهاجر إلي الخارج ؟؟ فلو أن مثلا الدكتور  العظيم مجدي يعقوب قد قرر عدم الهجرة والاستمرار في بحثه العلمي في الداخل هل كان سيصل الي ما وصل اليه ؟؟؟ وهل كانت جامعته التي تخرج فيها ستوفر له الدعم المادي والأدبي والمعنوي الذي يمكنه من الوصول بطموحاته ونجاحاته إلي كل بقاء الدنيا ؟؟؟ وهل كانوا سيعملون ويتعاونون معه كفريق واحد حتي يصل للعالمية ؟؟؟ هل كان فخر العرب محمد صلاح سيحقق جزء مما حققه مع الأندية الأوروبية اذا استمر لاعبا في الدوري المصري ؟؟؟ أعتقد أن الإجابة ستكون بالنفي . فالطبيب العالمي السير مجدي يعقوب كان غالبا سيصطدم بعميد حاقد سيعمل ليل نهار علي التشهير به وبث الشائعات عن فشله وخيبته وكان سيجد من زملاءه من يؤيد ذلك طمعا في علاوة أو ترقية أو أجازة !!!! ، ونجمنا العالمي صاحب الأخلاق العالية محمد صلاح كان سيوقعه حظه في مدرب يغار من موهبته أو رئيس ناد معقد نفسيا يري انه السبب عقب كل هزيمة وسيتم طرده مع توجيه سيل من الشتائم والسباب له والادعاء بأنه السبب في الهزيمة لعدم التزامه الأخلاقي وضعف مستواه وقلة موهبته !!!! للأسف … عوامل النجاح في مصر _ ومنذ عقود  طويلة _ تكاد تكون معدومة ، فنحن لا نمتلك ثقافة مساندة الناجحين والنابغين حتي يصلوا إلي منتهاهم ، نحن لا نستطيع تشجيع الناجح حتي يصل الي النبوغ ، بل نحبط النابغ ونظل خلفه بكل قوة وشراسة حتي يصبح فاشلا ، نحن نمتلك ثقافة وسياسة وأدوات إفشال الناجح والقضاء علي حلم المجتهد ، لأننا ببساطة نري فيهم خطر يهدد فشلنا أو نجاحنا المزعوم ، فالكثير من الناجحين ليسوا في الحقيقة كذلك ، فلا هم متميزين ولا موهوبين ولا مجتهدين ، بل شبه للمجتمع ذلك بسبب اختلاط الاوراق وامتزاج المفاهيم وتغير المعايير  ، هناك أشخاص مهمتهم إفساد وإسقاط أي شخص لديه حلم أو طموح يسعي إليه بضمير وشرف ، الكثيرين نجحوا بسبب عدم وجود منافسة حقيقية ولو وجدت هذه المنافسة ما أدركوا أي نصيب من النجاح ، نحن نمتلك ناجحين بالفهلوة والشطارة والواسطة لذلك نجاحنا ليس نجاحا ولكنه أضغاث نجاح ، النجاح له مقومات يعرفها العالم أجمع أولها العلم و العمل والإتقان ومحاولة الابتكار والاستناد إلي كل جديد ، وهي كلها أدوات استبدلت بأشياء أخري في مجتمعنا ، مفهوم العمل الجماعي معدوم حتي في المجالات العلمية ، أغلب الناجحين يبتغون الثروة والشهرة بينما في الغرب رفعة أوطانهم هي المنتهي ، نحن مهرة في صناعة التافهين وهم مهرة في صناعة المتميزين ، نحن لدينا خطط لوأد أي طموح أو حلم وهم يقدمون كل الدعم لكل من لديه فكرة بسيطة ويستمرون خلفه حتي تصبح واقعا يحقق الخير للجميع . المدير لدينا يحتاج إلي مجموعة من الفشلة والمنافقين حتي يشعر بنجاحه المزعوم ويستبعد المجتهدين المتميزين لانهم سيكشفون تواضع إمكانياته ، بل سيحاول القضاء عليهم بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ، أما المدير لديهم فهو أب يعي جيدا أن نجاح مرءوسيه من نجاحه وفشلهم من فشله ، لذا يعمل جاهدا علي تقديم كل الدعم المادي والمعنوي لهم . نحن نحتاج إلي مديرين في كافة المجالات  يخشون الله ويحبون وطنهم قبل أن يحبون أنفسهم ، ولكن للأسف لن يحدث ذلك إلا بإعداد كوادر جديدة بفكر مختلف وتحت رقابة صارمة لأي انحراف في الفكر أو الهدف أو الآليات . أنا لا اقصد انعدام الناجحين الحقيقيين في المجتمع ولكن اقصد انهم صاروا قلة وهم الاستثناء ، والاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره ، أريد أن تكون كل مؤسسات الدولة كالجيش والقضاء وبعض الجهات الاخري التي تعد علي أصابع اليد الواحدة  ، فهذه الجهات تحترم النابغين ويبسطون لهم كل الدعم والمساندة لتحقيق حلمهم ، بل انهم يجعلون من حلمهم حلما عاما يسعي الجميع لتحقيقه سواء فرادي أو مجتمعين ، العلم والاجتهاد والعمل في هذه الجهات تضيف إلي صاحبها قيمة ، أريد أن تكون هذه هي سياسة الجميع مع الناجحين والحالمين ، لا تحبطوا أحدا ، ولا تنهوا حلما ، ولا تضيعوا جهدا . مصر الان تتغير وتتقدم  بخطي ثابتة تحت قيادة حكيمة واعية فلا تكونوا انتم حائلا
لهذا التقدم .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.