لم يحدث أن تفاعل المجتمع العربي مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مثلما تفاعل مع الصراع بين ترامب وبايدن للوصول إلى منصب الرئيس الأمريكي رقم 46 في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وبعدما شهدته تلك الانتخابات من شراسة، وتناقضات، فقد انتهت بدخول الرئيس الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض يوم أمس، ليباشر مهام منصبه من المكتب البيضاوي، وسط ترقب دولي لما ستشهده سياسة الولايات المتحدة من تغيرات عن السنوات الأربع الماضية في عهد الرئيس ترامب؟ هل سيستأنف ما بدأه مع الرئيس الأسبق أوباما، كنائب له، لمدة 8 سنوات، أم سيؤسس لنفسه عصراً جديداً يشار إليه بعصر الرئيس جو بايدن، خاصة بعد تصريحه بأن ولايته لن تكون فترة الولاية الثالثة لأوباما، وهو ما بث شيء من التفاؤل في الأروقة السياسية.
دعونا، بداية، نوضح بعض الحقائق الهامة، أولها التعرف، باختصار، على جو بايدن الذي بدأ مشواره السياسي كسادس أصغر سيناتور في مجلس الشيوخ، عام 1972، وأعيد انتخابه لست مرات، تولى خلالهم رئاسة لجنة العلاقات الخارجية، ورئاسة اللجنة الاقتصادية بالمجلس. خلال عمله في مجلس الشيوخ عارض حرب الخليج عام 1991، ولكنه دعا لتدخل الولايات المتحدة، وحلف الناتو، في حرب البوسنة عام 2002، كما اشترك في وضع تشريعات قانون إعانات الضرائب والتأمين ضد البطالة، وقانون إعفاء دافعي الضرائب الأمريكية. وفي عام 2009، تولى منصب نائب رئيس الولايات المتحدة، عام 2009، لمدة 8 سنوات، ضمن فريق الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
وللتعرف أكثر على توجهات جو بايدن السياسية، ففي عام 2011 عارض تصفية بن لادن بعملية عسكرية، كما عارض تخلي بلاده عن الرئيس مبارك في أحداث 25 يناير 2011، وكان ممن صوتوا لصالح غزو الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001، وغزو العراق عام 2003، وكان من دعاة تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية، وهو ما أثار الشعب العراقي، الذي يعارض تقسيم بلاده. وفيما يتعلق بالسودان، فقد أعلن تأييد فكرة إرسال قوات أمريكية إلى دارفور، ويرى، حالياً، ضرورة حذف السودان من قائمة الدول المؤيدة للإرهاب. وفيما يخص القضية الفلسطينية، فهو معروف بتأييده الشديد لإسرائيل، ومن أنصار حل الدولتين، أما بالنسبة لإيران فهو يؤيد الخيار الدبلوماسي مع الاستمرار في استخدام أسلوب العقوبات، وتجدر الإشارة لأنه صوت ضد اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.
وعلى مستوى القضايا الداخلية فهو من مؤيدي حقوق الإجهاض في الولايات المتحدة، ويعتبر من محاربي مرض السرطان، خاصة بعد وفاة ابنه بو بايدن بهذا المرض اللعين، أما فيما يتعلق بالهجرة، فهو يؤيد منح تأشيرات للعمال الزائرين للولايات المتحدة. كانت تلك نظرة عامة على بعض توجهات جو بايدن، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه … من هو جو بايدن الجديد الذي أعتلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض يوم أمس؟
الولايات المتحدة دولة مؤسسات، ودوائر اتخاذ القرار بها تعتمد على 4 دوائر، تساهم وتساعد في اتخاذ القرار؛ أولها الكونجرس الأمريكي، بغرفتيه وهم مجلس الشيوخ ومجلس النواب، يتألف مجلس النواب من 435 عضو، أغلبيتهم، حالياً، من الحزب الديمقراطي، بينما مجلس الشيوخ يتكون من 100 سيناتور، أغلبيتهم من الجمهوريين، ولكنه في انتظار استكمال الانتخابات، لتحديد من سيكون له الأغلبية في الفترة القادمة. أما الدائرة الثانية في اتخاذ القرار فهي البيت الأبيض، برئاسة الرئيس الأمريكي، ومعه 14 وزيراً، يعاونونه ويساعدونه في اتخاذ القرار، علاوة على مستشار الرئيس للأمن القومي، الذي أصبح عنصراً فعالاً منذ عقود طويلة في اتخاذ القرارات الهامة المصيرية. وتتمثل الدائرة الثالثة في البنتاجون، أو وزارة الدفاع الأمريكية، ومع وزيرها، رئيس هيئة الأركان المشتركة، كأحد أهم دوائر صناعة القرار الأمريكي، يليها في الأهمية وكالة المخابرات الأمريكية CIA، المسئولة عن ثلاث مهام أساسية؛ وهي جمع المعلومات، وتحليلها، ثم تقييمها وتقديمها إلى الرئيس الأمريكي، في صورة توصيات بالاتجاهات العامة للسياسة الخارجية الأمريكية.
وبهذا يتضح أن هذه الدوائر الأربعة، طبقاً للدستور الأمريكي، تجتمع في مسؤوليتها عن صنع القرار الأمريكي، وهو ما تغير نمطه خلال فترة رئاسة الرئيس ترامب، فقد كانت سياسته تعتمد على شكل جديد، أتوقع أن يستحدث تدريسه، مستقبلاً، في علوم السياسة تحت عنوان Business Wise Foreign Policy، أي السياسة الخارجية المعتمدة على المصالح، فقد أقال العديد من الوزراء والمستشارين مثل جون بولتن مستشاره للأمن القومي، لمجرد مخالفته في الرأي، ووزيري دفاعه الجنرال جيمس ماتيس، ثم الجنرال مارك إسبر الذي عارضه في سرعة سحب القوات الأمريكية من أفغانستان.
ومع رئاسة جو بايدن، يتوقع عودة الإدارة الأمريكية للالتزام بنظام المؤسسات في إدارة البلاد … ولكن يظل العالم في حالة ترقب لشخصية وسياسة الرئيس الأمريكي الجديد، التي ستظهر ملامحها في الأيام والأسابيع القليلة القادمة، ومن المؤكد أن يجمعنا حوار جديد بشأنها.