” رجل كل العصور ” قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

ما أن تناول أحمد راتبه الشهري من صاحب ورشة النجارة التي يعمل بها منذ انفصال والديه قبل عامين ، إلا وشعر بأن حلمه أوشك أن يتحقق ، فمنذ ثلاثة أشهر وهو يخطط لذلك . لم يكن حلمه أن يمتلك سيارة ولا أن يشترك في أحد الأندية الرياضية الشهيرة ولكنه يكمن في شراء حذاء رياضي .
يتجه أحمد ذو الإثني عشر ربيعا إلى محل الأحذية المقابل للورشة ، يقف لينظر ويطيل النظر ويقارن قائلا لنفسه : الآن سأشتري ولن أشاهد فقط مثل المرات السابقة ، يفكر كثيرا ثم يعيد حساباته ، فوالدته تنتظر منه ذاك الراتب حتى يتسنى لها دفع المصروفات الدراسية لأخته إيمان التي تكبره بثلاثة أعوام وكذلك تدفع منه إيجار الغرفة التي يقيمون فيها .
ما زالت أشكال وألوان الأحذية الرياضية تلمع في عينيه لكنه لا يريد التهور فربما شراء ذلك الحذاء يمنع أخته من مواصلة دراستها مثلما تم منعه عند انفصال والديه ، تذكر شكواها المستمرة من تعنت وتأنيب مدير مدرستها لها وتهديده لها بعدم دخول الامتحانات لتأخرها عن سداد تلك المصروفات وما أحدثه ذلك من شعور بالحرج امام زملائها وزميلاتها وأدى كل ذلك إلى أضعاف عزيمتها على التفوق وتراجع مستواها .
ما زالت الحسابات تقتحم عقله خاصة بعد أن ألقى نظرة على حذائه المتهالك الذى يكاد يستغيث من كثرة التصليح . قرر اختيار حذاء أزرق اللون مثل الذي رأه في قدمي علاء ابن صاحب الورشة وطلب من البائع أن يحضره له وببنما هو ينتظره إذ يرن هاتفه القديم ، يمد يده إلى جيبه وقلبه يحدثه بأن هناك أمر هام ، ينظر إلى شاشة الهاتف ليرى كلمة ” حبيبتي ” تلك الكلمة التي يرمز بها لأمه ، يرد على الفور :
– نعم أمي الحبيبة ، هل أنت بخير ؟
– نعم حبيبي ، نحن بخير ، ولكن أين أنت ؟
– أمام محل الأحذية على ناصية شارعنا .
– سأرسل لك أختك لأمر هام .
– ما الأمر ؟
– ستخبرك هي لأن رصيدي لا يسمح بطول الحوار .
يستأذن احمد من البائع لعدة دقائق تتجه خلالها عيناه صوب الطريق حيث ستبدو أخته وما هي إلا لحظات وتظهر إيمان ، يهرول نحوها ويسألها :
– ما الأمر ؟
– لقد تقطع حذاء المدرسة وصار عدة أجزاء متفرقة .
– لا عليك حبيبتي ، فقد جئت إلى هنا لأشاهد الأحذية ثم أستدعيك لشىراء ما تحبين .
– نعم الرجل أنت أخي وحبيبي .
يتوجهان على الفور إلى قسم الأحذية الخاص بالسيدات والفتيات ، ويطلب منها أن تختار ما تحب ، تنظر إيمان ثم تختار حذاء ليس غاليا مراعاة لظروف الأسرة ثم تقوم بقياسه وبعدها يدفع أحمد ثمنه فيسأله البائع إذا كان يريد الحذاء الآخر فيرد أحمد قائلا : ليس الآن . يخرج أحمد ممسكا بيد أخته وعلى وجهيهما ابتسامتان رائعتان .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.