لا أدرى لماذا يصر الشيخ خالد الجندى على تجديد فتنة الطلاق الشفوى، بعد أن هدأت واستقر الأمر على ما انتهت إليه هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، بالتأكيد على وقوع الطلاق الشفوى، ولمصلحة من إثارة هذه القضية من جديد؟.
فلا أحد ينكر أن تزايد معدلات الطلاق فى مجتمعنا.. بل فى كثير من مجتمعاتنا المسلمة أمر يدعو للدهشة، ويدفعنا دفعا لبذل الوسع فى إيجاد حل لهذه المشكلة،لا أقول للقضاء عليها ولكن على الأقل التقليل من نسبتها حفاظا على الأسرة وتماسك المجتمع.
وللأسف الشديد اجتهد بعض أهل العلم الذين لا نستطيع أن نتهمهم فى نواياهم، فرأو – وليتهم ما رأو – أن عدم إيقاع الطلاق الشفوى سوف يحد من المشكلة، وحين ظهر هذا الرأى بقوة منذ أربع سنوات تقريبا، كادت تحدث فتنة فى المجتمع، واستطاع الأزهر الشريف بعلمائه الثقات أن يخمدها فى مهدها، إذ اجتمعت هيئة كبار العلماء وانتهت إلى أن الطلاق الشفوى يقع شرعا، وأنه لا مانع من أن يلزم ولى الأمر المطلق أن يوثق طلاقه حفاظا على الحقوق، ومنعا من التلاعب بالمرأة المطلقة، وحتى تستطيع أن تحصل على حقوقها التى من بينها إمكانية أن تتزوج من رجل آخر، ويصعب ذلك إذا لم يتم توثيق الطلاق.
ومن أشد الداعمين لفتنة عدم إيقاع الطلاق الشفوى الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذى يعزف على نفس الربابة التى يعزف عليها الشيخ خالد الجندى، بل لعله يستخدم آلات أخرى للعزف، فأدخل فى القضية الفقهية ما ليس فيها وتجرأ على مقام أسياده أساتذة الفقه والشريعة فى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وفى مجمع البحوث الإسلامية، وفى دار الإفتاء، وألمح هو وصاحبه إلى أن هؤلاء العلماء الكبار يمارسون “الكهنوت” المرفوض فى الإسلام، وأنهم لا يملكون الكلمة الأخيرة فى المسائل الفقهية، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يدعى من يخالف رأى هذا الجمع الغفير من العلماء وما استقر عليه فقه الأمة على مدى الزمان، بأنه هو الذى يملك الكلمة الأخيرة ويريد إلزام المسلمين برأيه من خلال المطالبة بسن قانون يفرض على الناس عدم إيقاع الطلاق الشفوى، بالمخالفة للشريعة والدستور.
أنا شخصيا مطمئن إلى أن القوانين التى تصدر عن مجلس النواب لن تكون مخالفة للشرع لأن الأزهر الشريف يقوم بمراجعتها، وإذا حدث تجاوز فى ذلك الأمر، فسرعان ما يسقط هذا القانون بعرضه على المحكمة الدستورية التى تلتزم برأى الأزهر الشريف فيما يتعلق بأحكام الشريعة بموجب الدستور الذى هو أبو القوانين.
والفتنة التى أقصدها فى عدم الاعتراف بالطلاق الشفوى هى حالة الفوضى والبلبلة والتشويش التى ستحدث فى المجتمع لدى بعض العوام فى قضية خطيرة يترتب عليها حلال وحرام وهدم علاقة محترمة أو إقامتها، ولا يجوز التلاعب فيها ولو بالهزل، وفى ذلك يقول الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فى حديث صحيح رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة”.
ومعنى الحديث أنه لو طلق أو نكح أو راجع وقال: كنت فيه لاعباً هازلاً لا ينفعه قوله هذا، قال العلماء فى شرح هذا الحديث: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنوه طلاقاً.. أو ما أشبه ذلك من الأمور.
وكان الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، قد تحدى القائلين بعدم وقوع الطلاق الشفوى أن يقولوا على الهواء لزوجاتهم: عبارة “أنت طالق” ولم يقل أحد منهم حتى الآن ذلك، ولا أظن أن أحدهم يجرؤ على فعل ذلك، فكيف نثق فى فتواهم؟
Ibrahim.nssr@gmail.com