الدكتورة سامية خضر تكتب : يسألونك عن الديمقراطية فى الغرب..؟ قل إنها مثال لازدواجية المعايير

د. سامية خضر
إن هذا الذى أطلقوا عليه النظام العالمى الجديد. هو ليس جديداً على الإطلاق إنما هو مخطط فائق الدقة تم تنفيذه واستغلاله بذكاء شديد لبناء غرب واحد يهيمن على العالم تقوده الولايات المتحدة الأمريكية .. وإن قرار البرلمان الأوروبى حول (قضية حقوق الإنسان فى مصر يحتاج لمزيد من التوضيح خاصة للشباب المصرى والذى سيتحمل مسيرة الغد .. والذى هو حالياً منهمك ومنغمس بألعاب السوشيال ميديا بكل روافدها ويستقى منها غذاء الفكر والروح ويخلع قميص هويته فى سبيل مزيدا من الدهشة والإنبهار بالغرب حتى أصبح يستمرأها بل ويعشق الالتصاق بها .. وقد تكون زيارة الرئيس السيسى إلى فرنسا كانت زيارة كاشفة .. أوضح خلالها الرئيس المصرى الفرق بين حرية التعبير عن الديمقراطية وأسلوب التنمر وجرح مشاعر ما يقترب من 2 مليار مسلم .. بل وبمنتهى الحنكة الأخلاقية كان تساؤل السيد الرئيس بأسلوب مهذب .. كيف لبلد عريق فى الديمقراطية كبلدكم تقومون باستضافة وإيواء من يحرضون على الإرهاب وهم من مروجى الأكاذيب والإشاعات .
ومما زاد من حدة التناقضات فى الشأن الفرنسى أنه أخيراً قامت الحكومة الفرنسية من خلال برلمانها بدراسة قانونا يسمى (الأمن الشامل) والذى يتضمن إجراءات أمنية وأيضاً والذى من خلاله تبرز مادة تمنع تصوير ونشر صور لرجال الشرطة وهم يستخدمون العنف تجاه المتظاهرين أصحاب السترات الصفراء .. وقد أطل فكرة هذا القانون إلى النور بعد المطالبة بمحاسبة رجال الأمن المسئولين عن موت (أداما تراورى) وهو شاب من أصل أفريقى . والمفروض من خلال ذلك القانون تطبق أحكاماً بالسجن لمدة عام وغرامة تصل إلى (45 ألف يورو) على من ينشر صورا للشرطة أثناء مواجهتهم للعنف والذى وصل فى بعض المظاهرات إلى التأجيج المؤثر ومع التأكيد أن ذلك يحدث فى بلد الثقافة والحرية والجمال فهناك خلط من الصعب ترجمته ، فليس السبيل الى الزهو بما يسمى الديمقراطية بجرح المشاعر الدينية والروحانية لأى مذهب . وفى نفس التوقيت الذى تمنع فيه صور الشرطة وهى تتعامل بعنف يصل إلى القتل بحجة احترام القانون .
ولاشك أن هناك دلائل متنوعة تؤكد أننا كدولة تملك حضارة عميقة وثروة ثقافية بل وتثقيفية نحن نحتاج لإعادة تدوير التنوير الثقافى والسياسى والإعلامى حيث أن مؤسسات الدولة للعملية التثقيفية والإعلامية التى تأخذ بيد المواطن لترفعه إلى أعلى قد وقعت ولم تقم المهم أن نتفهم أن التثقيف الإعلامى ليس من أولوياته زيادة أرباح الصندوق المالى للدولة ولكن الدولة فى حاجة إليه وتدعيمه هو الركيزة الضرورية للمساهمة فى بناء الإنسان المصرى وتصبح فعلا به قوية وصلبة خاصة فى شحن شبابنا المصرى فهو الجيش الأمين على الثقافة المصرية بكل فروعها فى عصر وزمن الفراغات اللامتناهية داخل المربع الأسرى الذى يفقد مكانته القوية والتعليمية بل وأيضاً القومية وكم من برامج إعلامية قد أدارت ظهرها إلى معشوقتنا جميعاً (مصر) بكل تاريخها العظيم وأصبحت مقلدة لبعض المجتمعات الغربية فى القشور وليس العمل والإنضباط حتى أدمجت معظم مسلسلاتنا بالدم والجنس والعنف والبلاء الشيطانى .. ولا ننسى أن طلعت حرب هو الرأسمالى الوطنى والذى أنشأ بنك مصر وأستوديو مصر ومصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى .. وهو الذى ولد فى حى الجمالية وفى رحاب مسجد الحسين .. وقد قام الرئيس الراحل السادات بتكريم
” إسمه ” بقلادة النيل ليكون مثلا للشباب المصرى . وفى حديث لنجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل أكد أن الثقافة من خلال الرواية هى ملهمة للشعوب لأنها تجربة إنسانية تمر حول عينيك وتخترق الوجدان إلى عمق الحياة بكل ما فيها من تغيرات مختلفة سواء سياسية أو إجتماعية .. لذلك نأمل وقف ما يتم عرضه من مشاهد” مهرجانات العرى” والتى تتسلل الى البرامج اليومية وسيناريوهات الردح الفاضحة الخارجة على القيم والآداب وكل ذلك دون تدخل النقاد .. والأدهى أننا نعلم جيداً يا سادة أن سكان الدولة المصرية يمثلون أكثر من 60% من الشباب فهل نتركهم يسبحون فى مشاهد ترفضها القيم والآداب تحت مسمى الديمقراطية وأين كانت الديمقراطية والحرية والعراق يتفتت وأين كانت الديمقراطية والدولة السورية تضمحل وأين الديمقراطية وسجن(أبو غريب) وأيضاً سجن (جواتيمالا) حيث يتم ربط السجناء من أعناقهم مثل الكلاب .. نحن يا سادة عرفنا وتعرفنا على ” قصة راسبوتين ” من خلال التليفزيون المصرى والذى قام بذلك الدور الصعب (يوسف بك وهبى) و ” دموع فى عيون وقحة ” وغيرها الكثير ..
وكل ذلك من خلال التليفزيون المصرى ونأمل أن تكون الثقافة والإعلام التنويرى ضمن أهداف استراتيجية الدولة 20 – 30 لرفع كل ما يرتبط بالشأن القومى بعيدا عن الإنبهار الغربى إلا ما يمكن فرزه مع ما يساير تقاليدنا وعاداتنا .. ولعل ما حث أخيراً من أحداث دموية خلال اقتحام مبنى الكونجرس الأمريكى وتأييد 45% من الجمهوريين على ذلك الاقتحام مقابل 27% يرفضونه مع سقوط قتلى وجرحى .. قد جعل المراقبون يؤكدون أن التشدق بالديمقراطية الغربية ليست دوما بالمصداقية والشفافية التامة .. وأن الربيع العربى ها هو يطول أقوى .. دولة فى العالم .. وأن السحر قد إنقلب على الساحر .. وأننا نشكر اعتذار ” تونى بلير ” رئيس وزراء بريطانيا السابق بقوله ” إن هناك شيئا من الحقيقة فى أن حرب العراق كانت سببا فى صعود داعش ” .. وكذلك اعتراف ” هيلارى ” أن الغزو الكارثى للعراق وموافقتها عليه كان خطأ .. والحق يقال أن الله قد حفظ مصر .. وسنردد دوما ادخلوها آمنين وعلينا بنشر الثقافة التنويرية إلى شبابنا.. هل من مجيب ؟
بقلم :أ.د. سامية خضر صالح
جامعة عين شمس
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.