محمود عبد الكريم يكتب : هل أصبحنا دولة دينية ؟

فى البناية المقابلة لعمارتنا لمحت طفلة لم تتجاوزالثالثة من عمرها تلعب أمام مدخل العمارة وكانت محجبة وترتدى جلبابا طويلا يجرجر على الأرض وبعد لحظات خرجت أختها وهى ايضا مثلها طفلة قد لاتتجاوز السنوات الخمس ويغطى رأسها حجاب كحجاب اختها الأصغر ، وكطبيعة من فى سنيهما أخذت الإختان تلهوان معا وتعدوان خلف بعضيهما فى براءة الفطرة التى فطرها الخالق لمن فى سنهما …
صراخ وعدو ومرح الطفولة الأكثر من بريئة ولما سألت لماذا هاتان الطفلتين ترتديان الحجاب فى هذا السن أجابتنى زوجة حارس عمارتنا أبوهم حارس البناية والبنات لازم تتحجب من الصغر ، وأردفت كل بلدنا فى المنيا كدة بس دول من بنى سويف وكل البنات فى البلد عندنا محجبات !
ركبت الأتوبييس رقم 35 خط عبد المنعم رياض الحجاز وكان جديدا ومزينا لكن لفت نظرى أن السائق بمجرد صعوده من موقف عبد المنعم رياض أدار السيارة ومعها مؤشر الراديو وأخذ يبحث عن محطة ما إلى أن عثر على ضالته وكانت محطة القرآن الكريم ثم رفع الصوت وكان عبارة عن برنامج يسأل المذيع فيه ضيفه الذى عرفه بأنه من علماء الأزهرأسئلة من نوعية لماذا نسجد فى الصلاة ؟وكيف يجب أن نقرأ التشهد ؟!
الحقيقة أن السائل كان سطحيا فى أسئلته والمجيب أكثر سطحية وشعرت من حوار الإثنين معا وكأن الإسلام قد دخل مصر حديثا وأن المسلمين يجهلون لماذا نسجد لله ، ويجهلون كيفية قراءة التشهد !!
عندما نزلت من الأتوبيس بعد ان سيطر على شعور من خرج من عزاء لتوه وليس وسيلة مواصلات عامة ، كانت كل المحلات من عصير القصب إلى المقالى إلى الأفران إلى الدكاكين كلهم بلا أستثناء يذيعون قرآن كريم فروادنى شعور أنه ربما حدث جلل قد وقع فى البلاد لذا الجميع يدير القرآن بصوت مشايخ السعودية بلكنتهم الغريبة وطريقة آداء القران بطريقة بها غنة أقرب إلى الغناء منها إلى التجويد وعلى الجدران عبارة على ورق مطبوع طباعة عبارة هل صليت على النبى اليوم !
ولما صعدت إلى بيتى وجدت أن لاشيء غير عادى فى هذه الأمسية وهنا سألت نفسي هل أضحينا دولة دينية وهل إذا ظل التاجر يذيع القرآن على مدار اليوم هل يجلب ذلك الرزق مع سوء البضاعة وعدم اتقان صناعتها وسعرها المبالغ فيه ؟
هل اذا أسميت متجرك باسم ألبان مكة ومخبز المدينة المنورة وحلاق القدس وجيم الحرمين وبقية الأسماء التى تحمل معنى دينى ومقدس أن ذلك سيجلب لك الرزق ؟
وهنا أخذ السؤال يلح على مرة أخرى هل اصبحنا دولة دينية تماما أم هى مظاهر لجلب الزبائن بينما أسعارنا مرتفعة وبضاعتنا سيئة
وهل قال الإسلام أن تفقد الطفلة ذات السنوات الثلاث طفولتها تحت الحجاب وهى لا تعرف لماذا ترتديه .. أو متى ستعيش طفولتها ؟
الحقيقة اننى كمواطن لا أرى أى سلوك اسلامى حقيقى من اولئك الذين يرفعون الشعارات ويتمسكون بالمظاهر الأسلامية بينما هم فى سلوكهم اليومى أبعد مايكونون عن جوهر وصحيح الإسلام الذى أكد على أشياء لم نعد نراها فى سلوكياتنا لكن نراها فى المترو عندما نصعد اليه لنجد اكثر من فرد قد فتح المصحف وأخذ يتمتم بالقراءة بينما عيونه تبحث عمن يراه ومن لا يراه !
استطيع أن أقول أن العمل هو نوع من العبادة ، واليد العاملة التى تتقن صناعتها وتراعى ضميرها وتتعامل برفق مع المواطن الفقير الكادح أفضل من تلك التى تتظاهر بالأيمان وتنهر السائل ولا تحض على طعام المسكين أو تأكل حق اليتيم أو تلك غير البارة بالوالدين لإرضاء زوج أو زوجة ، او التى تتحايل على القانون بالرشوة والكذب وشهادة الزور
لقد أفسد بعض المشايخ عقول بعض البسطاء حتى اقتنع حمدان البواب أن ابنته ذات الثلاث أعوام قد تثير الفتنة
ايها الناس .. القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، والعمل فقط .. هو مايرضى الله ( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) صدق الله العظيم
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.