منذ أن بدأت الثورة التكنولوجية في الإنتشار وتفشت الشبكة العنكبوتية في كل بيت وتوغلت في أعماق القلوب وأنتشرت في دهاليز العقول ، والناس – كل الناس بكافة مستوياتها ودرجاتها – يعيشون مرحلة متقدمة وغير مسبوقة من الجنون والإنعزال عن العالم الخارجي . فالجليس والوليف والونيس لم يعد الأب أو الصديق أو الزوجة ، وأنما المحمول وما يحتويه من بوابة للدخول الي مواقع التواصل الإجتماعي بكل ما تحتويه من المعقول واللامعقول .
فالجميع أصبح يحتضن هاتفه المحمول الصغير الذي لا يزيد حجمه عن كف اليد ثم ينفصل عن العالم من حوله ليعيش قصص مع أشخاص أفتراضيين وعالم قد لا يكون له مكان إلا في عقله الباطن فقط . وتزداد الخطورة إذا كانت القلوب مريضة والعقول فارغة والأيادي نجسة . وتجتمع الثلاثة في تلاحم وتناغم ممتزج مع الإفتقار الي علم نادر أو موهبة حقيقية أو رأس مال حلال ليخرج لنا أنغام جافة تشابه الألغام في حدتها وتاثيرها الفتار البتار .
الشائع الآن أن تجد فتاة أو سيدة ولا تتعجب أن تكون مع أبنتها يخرجان علينا بفيديوهات تتضمن مشاهد راقصة أو ألفاظ خادشة لا يجهلها القاصي والداني بأنها مجرد وسيلة لعرض الجسد لمن يدفع أكثر . مجتمع منذ وقت قريب كانت تحيط به العفة والفضيلة وتسوده الأخلاق والقيم والمثل العليا ، ولكن أنقلب الحال وتغير كل شيء بنفس ديناميكية أنفراط حبات اللؤلؤ من العُقد . ولنمسك الخيط من أوله حتي نصل الي منتهاه بمنتهي العقلية والمنطق … إذا كان قد تبقي شيء منهما . بداية التسعينيات …. بداية تغير الحياة …. أصبح تدخين النساء للسجائر رقي ، وتدخين طلاب الجامعات للشيشة ( والتي كانت منذ وقت قريب لأصحاب المقاهي والحرفيين ) روشنة ، وجلوس الفتيات والشباب في الكافيهات تحضر ، من يملك فدان أو أكثر قام ببيعه قادما الي مصر لشراء أرض بالمشاركة لبناء برج ثم يبيعه ثم يشتري ويشارك في آخر وهكذا ، أو يشتري عقار في منطقة راقية من مناطق البهوات ظنا منه أنه سيكون منهم ، أو تأتي أحداهن من بلدتها أو من منطقتها العشوائية بدون أي مؤهل سوي طموحها وجسدها وأستعدادها لبيع أي شيء في سبيل التخلص من وصمة الفقر والإنتقال من زبونة محلات ال 2.50 الي مولات الصفوة .
أن ما نشاهده اليوم من فيديوهات العرض الصريح للشرف والجسد من جانب من هم في أسفل السلم الإجتماعي هو التطور المنطقي والإمتداد الطبيعي لحفلات العار علي صفحات مواقع التواصل الإجتماعي لمن يرون أنفسهم كذبا وزورا وبهتانا أنهم يقبعون أعلي درجات هذا السلم والتي هي في الأساس إفرازا لمنطق اللامنطق والذي ينطلق من فكرة أن كل شيء قابل للبيع في سبيل المال المزيف والسلطة الزائلة والعلاقات المشبوهة ، وكل ذلك وجد تشجيعا وتطويرا للأساليب وتنسيقا للآداء من جانب صناع الدراما والسينما . فأغلب الأعمال الفنية تقوم علي هذه الفكرة ، بلطجي يسرق أو فتاة تبيع جسدها من أجل المال ، ورقابة تصرح وتوافق علي العرض .
أنني أثني – كل الثناء – علي الإجراءات التي تتخذها النيابة العامة في سبيل التصدي لهذا العفن وخصوصا في ظل نصوص قانونية أصابها الوهن ولم تعد قادرة علي التصدي للتطورات المتلاحقة لإنتشار ظاهرة الفسق والفجور وما نتج عنها من دعارة إلكترونية . ولكن النيابة العامة لن تستطيع مواجهة الكارثة بمفردها حتي وأن تم تعديل النص القانوني المٌجرم لجريمة التحريض علي الفجور والدعارة وتشديد العقوبة طالما أن منظمات المجتمع المدني ضعيفة وأغلب صناع الأعمال الفنية لا ضمير لهم والقائمين علي الرقابة يرون أن ما يقدم من أعمال درامية وسينمائية لا شيء فيه والأسرة غائبة والأب مشغول بلقمة العيش والأم لا تستطيع إبعاد جهاز المحمول عن وجهها … إلي كل اجهزة الدولة المعنية … أفيقوا يرحمكم الله