محمد نبيل محمد يكتب : شيبة القش !

مبكراً جداً وقبل صيحات الايذان بإفتراق الأسود عن الأبيض توافدت عوائل شيبة القش على ساحة دار الزوجة المكلومة تتبارى فى تقديم العزاء لها عوضا عن زوجها الذى شارك الجميع احزانهم قبل افراحهم وجاد بكل ما حوله لمن حوله الكل يعلم ان هذه الثلكى فى مأساة حقيقية فهى لم تخبر دروب العمل أنفاً ويتساءل النساء قبل الرجال ماذا ستفعل تلك المدللة من زوجها بعد فراقه؟ ولم يمضى من الوقت الكثير الا واقامت المرأة حياة لم تختلف عن أمس كثيراً , احتضنت كومة اللحم الوردى التى هى كل ارثها فى الحياة وتعاهدت مع رفيقها الذى رحل جسدا واستقرا أمام عينايها تشبك بأجفانها عليه وداً واستناداً , وكبر البكر شيئا فشيئاً حتى نحتت الرجولة ملامحها على قسماته وظن كغيره أنه سينجد هذه المرأة من معاناتها فى تربية بقية الصغار , وعبثاً يحاول وهى تكرر له : يا بنى ليت مشقة المرأة فى تربية صغارها , إنما هى نعمة أرجوا دوامها , ويتساءل الصبى اليافع فى دهشة ؟ ! وتبادره الأم الفصحية الحمولة : يا بنى المعانة تزول حين الحصاد فلا يبقى منها الا ذكرى تستهين بما مضى وتتحدى الجديد , والصغير الذى ظن أنه كبر وأن أوان تسديد فواتيره يذهب للعمل مع الدراسة فى الجمعية الزراعية ويكاد أن يكفى حاجاته , وتربت الأم على كتف وليدها : اطمأن ميعاد السداد لم يحن بعد , وتأخذ بيده ليلاً الى ارض والده التى يزرعانها معا وقد طال الزرع وان الحصاد وتحذره من أن يترك الزرع لغيره واعتقد الصبى انه يفهم والدته الحكيمة والتى اخذت بيده تشق الطرقات يمينا تارة ويسارا بين الذرة الكثيفة العالية التى تحمل الليل فوق ثمارها وهى تعلم وليدها أن يحفظ طرقات الغد غير الواضحة المعالم هكذا تماما كم تعلمه أمه الأن , ويغادر فى الصباح الى الجبهة ليبدا فى سداد دينه الى أمه التى اخذت منه ميثاقا غليظا بأن يعود مكللا بالنصر وكأن الحديث المنسوخ من التاريخ القديم يتواتر الى كل الامهات المصريات تماما كما طلبت أم أحمس الصغير وهى تضع عليه زى الحرب لأخيه البكر الشهيد الذى ورثه عن ابيه القائد الشهيد ورحى المعركة لم يتوقف بعد وليس للأم سوى ذات الطلب المكرر : عد لى والنصر فوق رأسك أو لتبقى رأسك مع الهزيمة هناك ! وتعبر الموجة الاولى والثانية وبالاوامر هو ليس معهم الى الموجة الثالثة ويمر اليوم الاول والثانى ولم تخرج من فوهة قاذفه طلقة لمدرعات العدو وحتى مجزرة الدبابات فى الثامن من اكتوبر يصطاد الولد لامه خمسة وعشرين دبابه فى كل واحدة كان يسدد تجاهها كان يقول هذه عن معاناة امى وتربيتها لى لمثل هذا اليوم , ويعود اليها ليهديها نجمة سيناء ويقول : تحسست خطواتى فى سيناء التى لم اعهدها كما علمتينى أن اسير وسط الزرع العالى الكثيف المظلم وكأننى أرى , وسددت الدين لك يا أمى حتى ترضى , ويشهد شيبة القش : انت يا أمى من تستحقين نجمة سيناء!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.