النادي النووي هو المصطلح الذي يطلق على مجموعة الدول المالكة للسلاح النووي؛ وهم أمريكا وروسيا وفرنسا والصين وبريطانيا وباكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية. ونلاحظ بداية أن ألمانيا وإيطاليا واليابان لم يحصلوا على عضوية النادي النووي، بعد هزيمتهم ضمن دول المحور، في الحرب العالمية الثانية، والذي فرضت على أعضاؤه الشروط، السارية حتى يومنا هذا، بعدم امتلاك السلاح النووي. في الوقت الذي حصلت فيه إسرائيل على تلك العضوية، بامتلاكها القنبلة النووية، بعدما استعطفت العالم بحاجاتها لذلك السلاح، لردع العرب الذين يريدون إبادتها، فقامت فرنسا بإنشاء مفاعل “ديدمونة” لتصبح إسرائيل عضواً في النادي النووي.
أما باكستان فقد سُمح لها بامتلاك السلاح النووي، بعدما نجحت الهند، عدوتها اللدود، في امتلاك القنبلة النووية، وبدعم مالي من دول الخليج وليبيا نجحت باكستان في امتلاك القنبلة النووية، التي أطلق عليها الغرب “القنبلة الإسلامية”. فعادةً لا تسمح الدول الكبرى لأي دولة بامتلاك السلاح النووي، حتى لا يختل ميزان القوى في العالم، ولكن المجتمع العالمي سمح للدول الغير أعضاء بالنادي النووي، بامتلاك السلاح الكيماوي “الغازات الحربية”، لتكون نداً لدول النادي النووي، مثلما حدث بسوريا، التي أتاحت لها القوى العظمى امتلاك السلاح الكيماوي بينما لم تسمح لدول أخرى بهذا الامتياز، ومثال لذلك عندما حاول القذافي بناء مصنع للغازات الحربية، إذ تم قصف هذا المصنع، وتدميره بواسطة “طائرات مجهولة”، ولما حاول إعادة بناءه مرة أخرى، تم تدميره، في المرة الثانية، بنفس الأسلوب، كذلك حاول الرئيس السوداني السابق، البشير، بناء مصنع للغازات الحربية، فتم تدميره، أيضاً، بالطائرات المجهولة.
ومع محاولات إيران، بكافة الطرق، الاشتراك في النادي النووي، بامتلاك القنبلة النووية، واجهت، بالطبع، اعترض القوى العظمى، التي حاصرتها اقتصادياً، لسنوات طوال، حتى تم التوصل إلى اتفاق دولي، في 2015، أطلق عليه (5+1)، بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، بالإضافة إلى ألمانيا، التي تتولى المفاوضات مع إيران، بصفتها الشريك الصناعي الرئيسي لإيران ببرنامجها النووي. نص الاتفاق على تقليص النشاطات النووية الإيرانية، وحصرها في الأغراض السلمية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها. ويومها أعلن الرئيس أوباما أن هذا الاتفاق يقطع الطريق على إيران في الحصول على السلاح النووي، لسماحه للمفتشين التابعين للأمم المتحدة بمراقبة النشاط الإيراني لإنتاج السلاح النووي.
وبوصول الرئيس ترامب إلى الحكم، أعلن في مايو 2018 انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق (5+1)، في ظل أسف الدول المشاركة فيه، وبترحيب بالغ من إسرائيل، بالطبع، والسعودية والإمارات والبحرين واليمن، تلك الدول التي لم تراع مصالحها عند توقيع الاتفاق. أعقب ذلك فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، دفعت معظم الشركات الأوروبية من التخلي عن إيران خشية العقوبات الأمريكية. وفشلت جميع محاولات القادة الأوروبيين في إقناع الرئيس ترامب بالعدول عن قرار انسحابه من الاتفاق (5+1)، الذي أرجعه لأسباب ثلاثة؛ أولها أن بنود الاتفاق غير صارمة، وثانيها أنه لا يشمل تقليص قدرات إيران الصاروخية، والثالث أنه يتيح الفرصة لإيران عام 2025 لإنتاج القنبلة النووية.
وهذا الأسبوع تم اغتيال كبير علماء الذرة الإيرانيين “محسن فخري زاده” المسؤول عن البرنامج السري للأسلحة النووية في إيران، أو حسبما يصفه البعض أنه “أبو القنبلة النووية الإيرانية”، فتوعدت إيران بالانتقام، موجهة أصابع الاتهام إلى إسرائيل. ولم يكن ذلك هو الحادث الأول لاغتيال علماء الذرة الإيرانيين، إذ سبقه اغتيال “مسعود علي محمدي” في يناير 2010، واتهمت إسرائيل بأنها وراء عملية اغتياله، وفي نفس العام تم اغتيال العالم النووي الإيراني “شهرام أميري”. وفي الفترة من 2010 إلى 2012 تم اغتيال خمسة علماء إيرانيين في طهران وتم اتهام جهاز الموساد الإسرائيلي والولايات المتحدة، باعتبار أن إسرائيل صاحبة المصلحة الكبرى من عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، لتظل هي، إسرائيل، القوة النووية الوحيدة في المنطقة.
وكلنا نذكر أنه في عام 2001 أعلن جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، أن سوريا تتعاون مع كوريا الشمالية في إنتاج سلاح نووي، وعلى أثره شنت إسرائيل ضربة جوية على منطقة محافظة دير الزور السورية، يوم 6 سبتمبر 2007، ضد موقع يشتبه بأنه مفاعل نووي سوري. وخلال الشهر الماضي ترددت أنباء عن اعتزام الرئيس ترامب مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، قبل أن يترك موقعه في البيت الأبيض، خاصة بعدما تواردت المعلومات عن زيادة مخزون اليورانيوم، في إيران، لأكثر من 12 ضعف الحد المسموح به، منذ أن بدأت إيران في خرق التزاماتها بشروط الاتفاق النووي الإيراني (5+1)، إلا أن مستشاري ترامب نصحوه بعدم تنفيذ تلك الفكرة.
والآن بعد توتر الموقف في المنطقة، باغتيال محسن فخري زاده، واتهام الرئيس الإيراني حسن روحاني لإسرائيل بأنها المسئولة عن اغتياله، وأن الرد سيكون حاسماً، في التوقيت الذي تراه إيران مناسباً، وأن ذلك لن يدفعها لاتخاذ قرارات سريعة، وفي نفس الوقت لن تتراجع أو تبطئ برنامجها النووي. ومع ذلك، أظن أن إيران ستكتفي برد فعل من شأنه تهدئة الشارع الإيراني، مثل زيادة تخصيب اليورانيوم، دون الاندفاع وراء رد فعل عنيف، انتظاراً ليوم 20 يناير 2021، بعد تسلم جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، لتقرر، حينها، سياستها واستراتيجيتها المستقبلية.