ادركنا معا المكونات الخمس للانسان الحقيقى وهى المكونات التى تمكنه من التغير للأفضل والتحرك نحو الارتقاء بانسانيته , وقد يتسلل الى الذهن بعض من صور الغنسان المتحقق لكنه لا يملك بعضا من تلك المكونات , الضمير, مثلا , وقد يكون موجودا لكنه كالارقام السلبية أى أن وجود الضمير فى ذاك الانسان وجودا عدميا , وقد لا يكون اصحاب تلك الصور الشبيهة بالانسان ليسوا من المفعول بهم , بل من الفاعلين , ولكن الافعال ايضا منها ما هو ايجابى ومنها السلبى, وبذلك تنسحب صفات تلك الافعال على الفاعلين لها, ويكون وجودهم – ايضا – وجودا سلبيا ! , وهم لم يتحققوا فعليا , وان كان تحققا صوريا , أى انهم يملكون ذاتا تشبه الانسان الى حد ما , حتى ان ظل تلك الذات لا يترك اثرا !, واسترجع الايام الخوالى التى كنت اتشوق لنهم العلم خلالها من اعلامنا الوطنى عقب صلاة الجمعة من كل اسبوع والراحل الخالد محمود سلطان عندما يتحدث فى برنامجه الرائع – عالم الحيوان – عن غابات السافانا الاستوائية وجحافل المخلوقات التى تعيش عليها من آكلات العشب إلى سافكات الدم ,
ولكنى مازلت اتوقف عند كائنات غريبة فى سلوكياتها الحياتية , وهى قد ارتضت ان تكون هائمة فى فلك الاخرين , منها (طيور الغنم) وهى التى تعيش حياة غريبة هى تسكن فوق اكتاف الافيال والزرافات والجاموس ووحيد القرن وغيرهم, وتقتات على قشر الجلد الميت , القراض , وشمع الأذن , ودموع العين , ورغم انها ترتبط بمعايش تلك الكائنات الا انها لاتموت بموت اكلات العشب , بل تصرخ فارة بحياتها عند مهاجمة مفترسات اللحم والدم لتلك الكائنات التى كانت تقتات من فوق اكتافها , وربما تعود لتأكل ما تركته الاسود ومن بعدها الضباع فالنسور ثم الغربان , ولا تتحرج فى مزاولة حياتها الاعتيادية فى تناول الفتات التى تبقت من جيف الكائنات التى كانت يوما ما مرعى حى لهذه الطيور غريبة الاطوار
فتلك الطيور تشبه الى حد كبير بعضا ممن يتشبهون بالانسان الذى يبدو فى اعين السذج انه متحقق وموجود بما يحيط به نفسه من نجاحات زائفة يعلم هو حقيقة كذبها, لكن الحقيقة الوحيدة الموجودة هى ان هذا الكائن بعضا من انسان وليس بانسان , وهنا تبرق الفضيلة الغائبة عندما نتحدث عن ذاك الكائن المتشبه بالانسان, وهى ان احترام الانسان لذاته يعد سببا جوهريا من اسباب وجوده , وفضيلة الاحترام والتوقير تلك ان وجدها الانسان داخله تأكدت كحقيقة فى اعين الآخرين , ونال جواز مرور إلى بوابة الحضارة الانسانية عبر حصوله على احترام وتوقيرالآخرين لوجوده , ولن يحظى الانسان باحترام ذاته الا بمحاسبتها بموازين النقير , والقطمير , والفتيل على افعالها مع الاخرين, هل تلك الافعال وجملة السلوكيات الظاهرة والباطنة يرضى عنها الله , ويرضى عنها ضمير هذا الانسان, وتلقى قبولا عند الاسوياء الحقيقين من بنى الانسان , وهل تتصف تلك الافعال بالانسانية ام مازالت همجية بدائية لم ترتقى لمكانة الانسان المتحضر؟! ,وتلك المحاورات الذاتية والتساؤلات الرقابية الباطنة هى من حالات تحقق الذات بايجابية وليست بسلبية كطائر الاغنام الذى يشبه الاسماك التابعة للحيتان الزرقاء اكبر المخلوقات على الكوكب , التى حدثنا عنها العالم الفذ حامد جوهر, هى تأكل فى اليوم الاطنان من جيرانها فى ممالك المحيطات وتترك تلك السمكة الملاصقة لها تقتات فضلاتها وما يتساقط من التهام تلك الحيتان لاخوات السمكة منعدمة الضمير التى تشبه الى حد ما يرقات الارض ودودها التى تحيا على جيف الكائنات ولا تستحقر افعالها فى أكل الميتة ,
ولعل هناك سنن فى الكون تفتضى بنفاذ فوانين الطبيعة للحفاظ على دورات الحياة للكائنات غير الآدمية , الا انه لا توجد سنة كونية تبيح للانسان اكل الميت أو الحى من بنى جنسه , ولا توجد اخلاقيات تنمح حق التعايش الطافى للاتسان فى مجال حياة غيره , يأكل منه ويتسلقه ويتملقه ويستخدمه وعندما يضعف ويتلاشى يقف على جثته يقتات بالذم والسب وادعاء البطولة عليه , هؤلاء لم يتحققوا فعليا بل انهم برعوا فى تقليد الآدميين شكلا وبقيت روح الحيوان سفاك الدماء تسكن هذا الوعاء من الشكل الانسانى , وهم من يطلق عليهم الذوات الطافية تجدهم فى كل الازمنة ومع كل الشخوص , وفى كل الأماكن , يطفون على سطح الوجود لا جذور لهم كالنباتات المائية التى لافائدة منها سوى ضرر الاسراف فى الماء واهداره , ولا اصول لها كالكائنات وحيدة الخلية التى لا يعرف لها سلف , ويتحركون مع حركات المد والجذر للمصالح ليس الا ,
وقد يتوهم البعض من السذج ايضا ! ان هؤلاء الطافون اقوياء وخالدون , لانهم يقتربون من دوائر صنع القرار ويطفون اعلاميا ودعائيا وماليا واداريا و… وحياتيا, انما الحقيقة انهم ممن يطلق عليهم الذات الهشة , كأجسام النمل الزجاجية تتحطم بأقل طاقة ضغط عليها , هكذا هؤلاء اشباه البشر, رغم انهم يصنعون هالة من الضخامة والتأثير الكاذب الا انهم يملكون ذاتا هشة تتلاشى عندما نملك القدرة – اذا اردنا – للتخلص من هؤلاء المتشبهون بالأدميين , فلا عوز للمجتمع لهم على الاطلاق ان اردنا تغيرا حقيقيا وارتقاءً فعليا ,
وهنا على اصجاب الذات المحترمة الموقرة من اصحابها ومن بعضهم البعض اقصاء الذوات الهشة والطافية حتى يقوم الاعلام برسالته دون اكاذيب المخادعين المتلونين , وحتى يقوم رأس المال بدوره الوطنى دون هؤلاء من مصاصى الدماء منتفعى الثعرات القانونية , وابعاد غيرهم فى بقية مناحى الحياة ممن يحولون حياة الناس الحقيقيين الى زيف ونفاق ,
وعلينا ان نعيد التساؤل من جديد الى اى ذات نرغب فى ان ننتمى , الذات الموقرة , ام الطافية والهشة!
ونستكمل فى القادم ان شاء الله لنبنى أركانا جديدة فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وادراكه لامكاناته فى التغيير, وعلى الانسان ان يعيد تقيم ذاته ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية قط وانما الباطنة أيضا, ويعود كما كان اجداده الأصل واصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول به!.