منذ البكور وحالات متسارعة من التوضيب والترتيب تجتاح البيت , أعدت الأم منزلها جيدا , زهور متناثرة فى رقة وإبداع فى زوايا الغرفة المضاءة بعناية , وأعادت ترتيب بعض المقاعد بحيث تسمح بحالة من الحوار المتساوى , هى تعلم كيف يتحدث العسكريون , فعشقها الأوحد أحدهم , وتدرك كيف يلاحظون الدقائق , كما أن الحورية المنتظرة لفارسها لم تقم بما يفعله البنات فى تلك الحالات , إنما أطالت جلستها أمام المراه تنظر لنفسها .. تحادثها , هل تقنع بتجربة والدتها خاصة وأنها على مشارف الارتباط برجل حرب , تتساءل ( هل ؟ ) وتكرر هل أنت مستعدة للتضحية ؟ ينزل هذا السؤال كالصاعقة المدوية ويتردد الصدى – تضحية ؟- وفى دهشة تتمتم شفاتاه الورديتان : تضحية ! هل هكذا تبدأ الحياة ؟ تنظر طويلا لعيناها السوداوتين الواسعتين حتى تغرق فيهما وتغوص بيعدا إنما للمستقبل , تتخطى فى بحرها حاجز الزمن لتستشرف القادم (ماذا لو.. ؟) لاسينما تسرى ليالى الشتاء و لامصايف تلطف قيظ الحياة , لاخروجات مع أسرة كاملة , لاعزومات تظهر مهارة للأهل , لاءات كثيرة تتكالب عليها لتثقل حملها وتبقيها فى غوصها الأبدى – ربما ! – هكذا هى لن تحيا كجاراتها ولن تستطيع أن تبادل صديقاتها حكايات الشجارالمتعمد والمدبر لصلح رومانسى يعيد للحياة نضارتها ! .. طوق النجاة يأتيها من باب حجرتها مع صوت والدتها تنادى عليها ويبدو أنها أطالت الانتظار واقفة على الباب تستمع لصخب تساءلات حوريتها الصامتة , وكأنها قد أرتئتها على مشارف الغرق , تخرج فى معية والدتها وهى لم تنهى مابدأته بعد , ينظر اباها لطفلته العروس يتذكر مع خطواتها المضطربة أوليات خوطواتها قديما وليس بعيدا جدا , فالزمن سريع لايحب من يلاحقه , تكبر الطفلة مع كل خطوة من باب حجرتها متخطية صالة الانتظار الى حجرة الضيوف , تبرق عين الفارس القديم انه يكاد ان يسلم امانته لاخر فتى , ينادى : أهلا بعروستنا , وتتحمر خجلا العروسة صغيرة التجارب , الملفت فى هذا العرس , أن يكون سؤال الفارس الذى احترف الحرب بلا درع : هل تقبلين بزوج قد يكون شهيدا خلال عشرة أعوام على الاكثر؟! باغتته سريعا جداً: أوعدنى أن تكون شهادتك يتحاكى بها أولادنا , وأعدك أن أكون من الأن أماً وأباً لهم !
فينادى الأب بأعلى صوته كأنه يطلق صيحات العبور : مدد يارفاعى !
أمام صورة الزفاف ليلا ككل يوم تجلس العروس بمفردها تتذكر ما لم تنساه ابداً , وتجدد العهد لشهيدها الذى وفى وعده , وتحاكى عنه العدو ,
وتتذكر تساؤلات مضت وكانت ساذجة جداً.