بعد غياب تخطى الأربعين ليلة تعانى الأسرة بأكملها لوعة الفراق , ومع اقتراب شمس الثانى من رمضان من ملامسة الجانب الاخر معلنة نهاية الخيط الأسود , يدق قلب الزوجة المستكينة – القوية – إيذانا بإقتراب الحلم الذى طالما ما يأجج بعض الأشياء وتجبرها صاحبتنا على الغوص فى أعماقها لتخفيها بعض الوقت ,
وعبثا تعاود الطفو لتفرض تلك الاشياء وجودها المحتم , وتستسلم الحبيبة للانقسام ما بين ما تعيشه فى خلاياها , وبين ما تعانيه بين يديها , ومع صخب الجدل تتسلل أصوات محرك السيارة الخضراء العتيقة , لتنتبه السيدة منهية حالة الجدل , وتمسك بتلابيب قلبها علها تكون رسائل بشائر وليست أوهام كعادتها , إنما هذه المرة يزيد على مسامعها مسحات أقدامه على الدرج التى إعتاد أن يفعلها وكأنه يترك على عتبات السلم عناء ما مضى , وينفض عن كاهله ما تنوء به العصبة أولوا القوة , ويخفق القلب حنينا له , متمتمة : إنه هو, وليس حلماً يقظاً , تكرر الولهانه : نعم هو , وتخطو كمهرة فى عنفوانها تستبق الباب قبله لتكون فى انتظار القدوم المأمول , يتاصافحا باجفانهما لتتشابك سطورا من العتاب والوجد والصفح ,
ولا يبقى على الأرض منها شيئا الا أطراف أناملها تلامس الارض دفعاً لأعلى هرباً منها إلى سماء العشق اللا محدودة , وهو يتأبطها كأنهما نحتا جمالياً لعاشق الأزميل مختار, ليصيرا للحظات جسداً واحداً, ترتغع تكبيرات الأذان ويجلسا على الارض كما اعتادا تسبق يدها يداه الى فيها , ويغرقها قبلات بالنظرات , هذا الفارس تأبى بواطنه أن تتكشف أمام صغاره ,
ويفترب منها همسا فتبتسم وتتجمد الابتسامة الى ان تخفوا خلف احزان سريعا ما استقرت على جبهتها الوضائة , انه سيغادر صباحا وربما فبل ذلك وكأن المجئ كان سرا وفى ستر اليل العاشق , ويدخل الرجل فى صلاة تهجد وتغفوا المرأة فى طمأنينة نادرة الحدوث الا فى وجود فارسها , وتصحوا على وكزة من رؤية اليمة وتسرع الى العابد على مصلاه فتتحسسه بنظراتها طويلاً فيقاطعها فى اهتمام : أحدث شئ للجسر؟
فتنفى فى بطئ مشيرة برقبتها يمينا ويساراً كأنها تمحو ما ارتسم امامهما من صورة . فيسارع العابد رافعاً راحتيه الى السماء مبتهجاً : الحمد لله.
وما هى الا ايام معدودات الا ويطرق الباب زميل يحمل البشارة ويفسر الرؤيا للمستكينة القوية !
مد الرجال الجسر واصابه العدو فأصر الفارس على اصلاحه بنفسه حتى عبر الرجال من جديد وصعد هو الى السماء.