جيهان عبد الرحمن تكتب : تحيا العدل

الجميع أمام القانون سواسية لا فرق بينهم بسبب الأصل أو المستوي الاجتماعي هذا ما جاء في حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة الذي صدر الأسبوع الماضي ونشر تحت عنوان الإدارية العليا تنتصر لابن فلاح ضد إبن مسئول, الواقعة باختصار تتضمن قيام أحد مسئولي الشركة القابضة للمياه باستثناء إبنه للقبول بمدرسة تتبع الشركة بمحافظة البحيرة, متخطيا إبن الفلاح المتفوق بمجموع درجاته, وزيادة في الأمر, أرسل هذا المسئول خطابا للمدرسة يضمن به تعيين أبنه بوظيفة بعد تخرجه فورا حتي قبل أن يلتحق بالمدرسة أصلا. يمكننا هنا أن نردد بصوت أحمد حلمي في إعلانه الشهير عادي عادي عادي مانا عادي أهو, فهذا ما يفعله كل مسئول مهما علا أو قل شأنه, وهذا ما أوصلنا إلي حالة طفل المرسيدس, لكن الجديد هنا هو قيام الفلاح بالدفاع عن حق أبنه واللجوء للقضاء, حيث حكم القضاء الإداري بالإسكندرية برئاسة المستشار د. محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار الجهة الإدارية من رفض قبول قيد الطالب أحمد نجل المواطن محمد محمود حسين بالمدرسة الثانوية الفنية التابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بالبحيرة لتفوقه في مجموع درجاته علي الطالب على كامل نجل المسئول بالشركة وما يترتب علي ذلك من أثار منها تمكينه من أداء الامتحانات النظرية والعملية في الدور الثاني وألزمت الإدارة المصروفات وتنفيذ الحكم بمسودته ودون إعلان. وهنا يمكننا القول يحيا العدل بدلا من إستعارة عبارة الفنان أحمد حلمي.
هذا الحكم نزل علي صدري بردًا وسلامًا وأعاد إلي ذهني رونق عبارة باسم الشعب الذي يحكم القضاء باسمه وهو معصوب العينين. جاء الحكم في وقت التهبت فيه المشاعر سلبا ليس فقط من جراء أفعال “حروقه” أبن المستشار وفيديوهات مشينة الواحد تلو الأخر, بما فيها فيديو الاعتذار ولا أدري حقا بأي صفة يتحدث إلي شعب قذفه بالبيض من سيارته – المباعة صوريا- وكله حسب القانون, وصور حلق رؤوس أصدقائه بالموس و حبسهم خمسة عشر يوما احتياطيا علي ذمة التحقيقات, وهو يتم إيداعه أسبوع في أحد دور الرعاية لملاحظة سلوكه وطبعا دون حلق شعره فمن ذا الذي يجرؤ علي الاقتراب ولمس شعر المستشار الصغير, الذي لولا نزع الله ستره عن أفعاله, لجلس يوما ما منصة القضاء ليحكم بين الناس باسم الشعب! فوفقا للأعراف منصبه في النيابة محفوظ. بينما قد ينتحر أخرون ممن هم أقدر وأفضل خلقا وعلما لكنهم ينتمون إلي طبقات اجتماعية بسيطة ليس فيها مستشار أو باشا يختفي في عباءته, ببيع مزيف لسيارة أو تلقين شهادة كاذبة أو اعتذار مهين, وأخيرا محاولة بائسة تخل بالمعني في الربط بين شخص المستشار وهيبة القضاء حائط الصد الأخير لهذا الشعب.
الأمر كله استفزاز مخل حتي بيان نادي القضاة, المستاء جدا من وسائل التواصل الاجتماعي وعباراته فيها كثير من التعالي علي الناس, وكأن إعتذار المستشار تفضل منه علينا. حيث جاء في نص البيان أنه يستنكر بأشد العبارات تمادي بعض مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في اتخاذ واقعة الطفل نجل القاضي الفردية كذريعة للنيل من السلطة القضائية ورجالها الشرفاء رغم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بشأنها وقيام والد الطفل بشكل غير مسبوق بتقديم الاعتذار لجموع الشعب المصري.
أتصور لو أن الأمر أخذ مجراه الطبيعي بلا محاباة أو تمييز منذ لحظة التعدي علي رجل المرور لكان الوضع مختلف, بل كانت وسائل التواصل نفسها ستشيد برجل القانون الذي يطبقه علي نفسه قبل الناس إعمالا لقول رسولنا الكريم “لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” ,وقتها كنا سنطمئن علي المستقبل الذي يحيا بالعدل.
مجلس إدارة نادي القضاة أكد علي إدانته لكافة التصرفات والأفعال التي بدرت من نجل المستشار لكنه حمل المجتمع نتائج تلك الأفعال بدلا من توجيهها للفاعل الأصلي, حيث أكد رفضه التام لاستمرار تلك الحملة التي وصفها بالانتقائية وأنها تثير الأحقاد والضغائن وتنشر الكراهية بين أبناء الشعب الواحد وتسعي للنيل من سلطاته والتعدي علي صون القضاء والتربص به وهو كما قلنا ربط مخل. وفي ظني ان العدل وحده وعدم التمييز هو ضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي و يقيني أن مجلس القضاء الأعلى والسلطة القضائية تملك أليات المراجعة والمحاسبة من داخلها, وأن منظومة القضاء مهابة مصانه لا يمكن النيل فنحن نحيا فقط بالعدل.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.