لا شك أننا مازالنا بفضل الله تعالى أولا ثم بجهود الدولة والتزام الناس بالإجراءات الوقائية، من الدول الأقل تضررا من فيروس “كوروننا المستجد”، رغم بوادر الموجة الثانية التى هى أشد ضراوة وفتكا، ونرجو أن ينتبه الناس إلى أن عدم التزام تعليمات السلامة والوقاية من هذا الفيروس اللعين يمكن أن يدخلنا – لا قدر الله – فى دوامة لا قبل لنا بها، ومتوالية عددية من الإصابات يعجز عن مواجهتها أى نظام صحى فى العالم مهما بلغت قوته، وما حدث ويحدث حاليا فى بعض الدول المتقدمة، بل فى دول عظمى، خير دليل.
ولا شك أن تعاليم الدين الإسلامى الحنيف أحد أهم الأسباب القوية التى حالت دون تفشى المرض بشكل وبائى فى الدول الإسلامية، ولست بصدد استعراض تلك التعاليم التى لا تخفى على أحد، ويكفى ان نقول فى المطلق: “النظافة من الإيمان”.
ولا ينبغى أن نغفل أثر الدعاء فى دفع البلاء، فإن الله سبحانه وتعالى يحب أن يلجأ إليه عبده بالتضرع والدعاء، كلما نزلت به نازلة.
والتوكل على الله تعالى والاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه أصل ثابت من أصول الإيمان والتوحيد، وقد حفل القرآن الكريم بالآيات التي تتحدث عن التوكل على الله، ونتيجته أن الله هو حسيب المتوكل عليه، قال تعالى: “وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”، فالتوكل عليه سبحانه من علامات حسن الإيمان والثقة بالله مع ضرورة الأخذ بالأسباب، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال – عليه الصلاة والسلام -: “قال رجل يا رسولَ اللهِ: أعقِلُها وأتوكَّلُ أو أُطلقُها وأتوكَّلُ؟ قال: اعقِلها وتوكَّلْ”، ويعتبر هذا الحديث من أكثر الأحاديث النبوية المتداولة على ألسنة الناس التي يستدل بها في مسألة التوكل على الله والأخذ بالأسباب، وفيه يخبر أنس بن مالك – رضي الله عنه – بإجابة الرسول الكريم لأحد الوافدين عليه حين سأله عن إحكام وثاق الناقة وأيهما الأنسب: ربطها مع الاتكال على الله، أم تركها دون وثاق مع الاتكال على الله، فكانت إجابته – عليه الصلاة والسلام – متماشية مع المنطق والعقل السليم: “اعقلها وتوكل”، فالأخذ بالأسباب لا يتعارض مع الإيمان بالله تعالى، بل يجب تزامنهما معا، مع الإيمان المطلق بأن قدر الله نافذ في الوقت المحتوم.
والعلاقة بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب من أكثر العلاقات التباسا عند بعض الناس، وينقسمون حولها إلى أقسام عدة، كل بحسب قوة إيمانه وفهمه للقدر وحتميته ومشروعية الأخذ بالأسباب وعلاقته بالتوكل على الله والتي يستمدها اللبيب الفطن من قوله تعالى: “فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”، فتأتي العزيمة والتفكير والأخذ بالأسباب المعينة على قضاء الحاجات الدينية والدنيوية أولا يليها أو يزامنها التوكل على الله تعالى، ثم أُردفت الآية بلفظ محبة الله للمتوكلين عليه، وهذا هو الطريق الحق الذي ينافي أي اتجاه آخر كالنظرية المادية العقلانية القائمة على الأخذ بالأسباب وإنكار وجود الله.
وفى كل الأحوال، فإن الإنسان ينبغى أن يعيش بالأمل فى الله، وألا يقنط ولا ييأس من روح الله، ويتعلق قلبه دائما بأن تأتى المنحة بل المنح من رحم المحنة، وهذا ما يلخصه ابن الجوزي – رحمه الله – فى أبيات نذكر منها:
لنا بالله آمالٌ وسلوى..
وعندَ الله ما خابَ الرّجاءُ
إذا اشتدّت رياح اليأس فينا..
سيعقب ضيق شدّتها الرخاء
فبعد العتمة الظلماء نورٌ..
وطول الليل يعقبه الضياء
أمـانينـا لهـا ربٌ كريـم..
إذا أعطى سيُدهشنا العطاء
فالنكن على يقين بأن صبرنا على هذا البلاء والوباء سيعقبه فرج كبير وعطاءات من الله تندهش لها العقول، وذلك على قدر الرضا بقضاء الله وقدره، والأخذ بأسباب النجاة قدر استطاعتنا، مع التسليم بأن كاشف البلوى هو الله، ولا أحد غيره ولا شئ سواه.