الشهيد البطل ضياء فتوح شاهد العالم ارتقاء روحه لبارئها كما شاهد العالم أيضا استشهاد البطل احمد حمدى

حكايات الولاد والأرض امتداد لشهادات الرجال عن أزمنة الجمر والبشارة

  • الشهيد ضياء فتوح .. حلم جميل للمجد متوارث من الأجداد  ما بين جسر سيناء والمدينة !

كتب محمد نبيل محمد :
بعد غياب تخطى الأربعين ليلة تعانى الأسرة بأكملها لوعة الفراق , ومع اقتراب شمس الثانى من رمضان من ملامسة الجانب الاخر معلنة نهاية الخيط الأسود , يدق قلب الزوجة المستكينة – القوية – إيذانا بإقتراب الحلم الذى طالما ما يأجج بعض الأشياء وتجبرها صاحبتنا على الغوص فى أعماقها لتخفيها بعض الوقت , وعبثا تعاود الطفو لتفرض تلك الاشياء وجودها المحتم , وتستسلم الحبيبة للانقسام ما بين ما تعيشه فى خلاياها ,
وبين ما تعانيه بين يديها , ومع صخب الجدل تتسلل أصوات محرك السيارة الخضراء العتيقة , لتنتبه السيدة منهية حالة الجدل , وتمسك بتلابيب قلبها علها تكون رسائل بشائر وليست أوهام كعادتها , إنما هذه المرة يزيد على مسامعها مسحات أقدامه على الدرج التى إعتاد أن يفعلها وكأنه يترك على عتبات السلم عناء ما مضى , وينفض عن كاهله ما تنوء به العصبة أولوا القوة , ويخفق القلب حنينا له , متمتمة :
إنه هو, وليس حلماً يقظاً , تكرر الولهانه : نعم هو , وتخطو كمهرة فى عنفوانها تستبق الباب قبله لتكون فى انتظار القدوم المأمول , يتاصافحا باجفانهما لتتشابك سطورا من العتاب والوجد والصفح , ولا يبقى على الأرض منها شيئا الا أطراف أناملها تلامس الارض دفعاً لأعلى هرباً منها إلى سماء العشق اللا محدودة , وهو يتأبطها كأنهما نحتا جمالياً لعاشق الأزميل مختار, ليصيرا للحظات جسداً واحداً, ترتغع تكبيرات الأذان ويجلسا على الارض كما اعتادا تسبق يدها يداه الى فيها , ويغرقها قبلات بالنظرات ,
هذا الفارس تأبى بواطنه أن تتكشف أمام صغاره , ويفترب منها همسا فتبتسم وتتجمد الابتسامة الى ان تخفوا خلف احزان سريعا ما استقرت على جبهتها الوضائة , انه سيغادر صباحا وربما فبل ذلك وكأن المجئ كان سرا وفى ستر الليل العاشق , ويدخل الرجل فى صلاة تهجد وتغفوا المرأة فى طمأنينة نادرة الحدوث الا فى وجود فارسها , وتصحوا على وكزة من رؤية اليمة وتسرع الى العابد على مصلاه فتتحسسه بنظراتها طويلاً فيقاطعها فى اهتمام : أحدث شئ للجسر؟
فتنفى فى بطئ مشيرة برقبتها يمينا ويساراً كأنها تمحو ما ارتسم امامهما من صورة .
فيسارع العابد رافعاً راحتيه الى السماء مبتهجاً : الحمد لله.
وما هى الا ايام معدودات الا ويطرق الباب زميل يحمل البشارة ويفسر الرؤيا للمستكينة القوية !
مد الرجال الجسر واصابه العدو فأصر الفارس على اصلاحه بنفسه حتى عبر الرجال من جديد وصعد هو الى السماء.
ما اشبة الليلة بالبارحة, هم ذرية بعضها من بعض , ترك الشهيد أحمد حمدى بطل معركة المهندسين العسكريين فى اكتوبر 73 ميراثه الوحيد لابناء هذا الجيل يتوارثنه ابا عن جدا , يسلمونه لابنائهم ومن بعدهم احفادهم الى نهاية هذا التاريخ , وممن ورثوا الشهادة البطل الشهيد الرائد ضياء فتحى فتوح عبد الجواد صائد الغام الإرهاب , وما اشبهه بعدو الأمس ! , والبطلة الثانية هى والدة الشهيد ضياء التى ورثت من سابقتها المصرية الأصيلة ” الحلم ” !
نعم هى الأخرى راودها نفس الحلم الذى زار زوجة الشهيد احمد حمدى , فقد همس لها الحلم : ” سيبقى ابنك حيا عند ربه ” فزع قلب الام , وهب جسدها النحيل من سبات موجع , تتعثر فى طرقات بيتها وكأنها غريبة عنه ولم تعتاد خطواتها عليه , وتتحسس سرير وليدها بيد مرتعشة وقلب مضطرب وانفاس متلاحقة يتقطر جبينها بعرق الخوف والجزع, فلا تصافح اناملها جسد وليدها على سريره , فترتفع فى تلقائية ما بين مصدقة لحلمها وبين متسائلة فى عجب:
اين راح الوليد ؟! أين ذهبت تلك القطعة من كبدى ؟! أشعر بأن احشائى فارغة من الحياة , وتهمس لنفسها اطمأنى , متى ضيع الله منك شىء حتى يضيع ابنك وهو عليه ارحم منك ؟! وتهدىء من روعها بحديث الايمان الذى بدى وكأنه الملجأ الوحيد لها , هذا الايمان الذى مهمد لها دربا مطمأنا اوله قلب الام واخره لطف الرب , فجمعت قواها ونادت على وليدها ضياااااء ,
لكن الصوت مازال حبيس حنجرته ولم يتجاوزها بعد فلم يرد الصوت برد , خافت , واضطربت , ثم عادت تقف على قدمين ثابتتين وتمد يدها الاولى الى السماء والثانية تقبض على قلبها حتى يستقر ويثبت من اضطرابه , وتعاود النداء بصوت اللسان هذه المرة وليس بصوت القلب الذى كاد ان يفارق أضلعه, وتتلطف الأقدار أخيرا مرسلة تلبية النداء من أقصى المنزل ببصمة صوت تعرفه وتتمنى سماعه, اعاد لها الحياة ومكنها من انطلاق زفيرها ممزوجا بالحمد والشكر لرب الحياة والموت ,
ويأتى بابتسامته المعهودة مرسومه على كلثوميه يداعب حبيبته الوحيدة وامه الغالية , ويرد : ” نعم يا أمى , حا روح فين يعنى , انا هنا دايما جنبك يا جميل انت “, وتحتضن الام بعينيها هذا الشقى الذى اختفى عنها للحظات كأنها الدهر كله , وتقول :” انت مش حا تبطل عمايلك ديه يا ولد انت بلاش شقاوة كنت فين ؟” ويرد : حاكون فين يعنى ! كنت بودع الحمام” وتضع الام فى سرعة البرق يدها على فاه وليدها محذرة :ط اياك تقول كدة تانى , حاتخسرنى فى مرة وانت بتقول كلمة وداع اوعاك يا بنى توجعنى اوعاك تقولها ابوس ايدك” ولا يعلم الوليد سببا لتلك العصبية وهذا المنع من الضحك والدلال منه اليها , وهى تحاول ان تدارى نظراتها المضطربة الهائجة كبحر يتخبط بين شطآن هشة , ولم تعلم الام ان هذا المزعج وذاك الحلم يفصل بين حياة الدنيا والحياة السرمدية الا سويعات .
تستجمع البطلة انفاسها لتحكى عن وليدها :” ابنى صلى الصبح وفطر وباس ايدى , زى كل مرة وهو نازل , بس المرة ديه شديته لصدرى وحضنته وانا بابكى مش عارفة ليه , وهو مستغرب من تصرفاتى معاه , وقالى ادعى لى يا امى , قلت له : قلبى وربى راضين عنك يا ضنايا ” , ولن يضيع انسانا بين دعاء امه ورضى ربه ,
وتستكمل الام :” نزل ابنى لشغله وقلبى متوغوش عليه وكل شوية اطرد الحلم من دماغى , وافتكر كل حاجة حلوة من ساعة ما اتولد لحد ما اتخرج فى كلية الشرطة كان دفعة 2005 وافتكر كل حاجة تضحكنى كان ضياء بيعملها من حنيته وطيبته وابتسامته كل ده عدى ادام عينى زى شريط الفيلم وانا رافعه راسى للسماء كأنى شايفة كل اللى فات , لحد ما قطع السكوت والسرحان , تليفون من زميل لابنى قالى ممكن يا امى اعدى عليكى تيجى معايا مشوار صغير , سا عتها قلبى اتقبض اوى ورجع الحلم ادام عينى من تانى , قولت وانا مرعوبة ليه يا ابنى فى حاجة حصلت , قالى : لا يا امى مشوار صغير بس ” , وتتنهد الام البطلة وتكرر على لسانها :”
وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون” وتعود فى ايمان قوى متماسكة لتحكى :” كان زى القمر حتى انى قولت له :” مالك حلو كدة ليه النهاردة ” قالى :” ديه عيونك اللى حلوة يا امى , ادعى لى يا امى , ونزل الساعة ستة على شغله كان مشغول بتمشيط شوارع المحيطة بالجامعة لحد ما جه بلاغ له وكان البلاغ لزميل ليه بس كان مش متواجد وقت البلاغ , علشان كدة وجهوا البلاغ لضياء ,
وراح لشارع الهرم واكتشف ان القنبلة ايجابية, كان يوم 6 يناير 2015 وفى اثناء تفكيكه للقنبلة فى شارع الهرم فى محطة بنزين بجوار قسم الطالبية والمدرسة والمنطقة السكنية المحيطة , ففضل ان يتعامل معها بيده لانه كان خبير فى التعامل مع القنابل بسرعه بشهاده قادته وزمايله, وبمجرد ان نزع منها الكيس الاسود ومسكها بيده ولم يخشى ان تنفجر فيه بقدر ان يزيل الاذى والخطرالذى سيقع ويسبب كارثة, واكتشف الارهابيون وجوده وفجروا عن بعد القنبله وهى في ايده فكان جسده الطاهر هو الحائط الصد للموجة الانفجارية والشظايا, وانفجرت القنبله وتلقاها في بطنه ومزقت الرئة , وبترت يداه , واحشائه تطايرت , واستشهد ضياء وبقيت البنزينة والقسم والمدرسة واهالى الشارع بسلام “.
تبكى الام وليدها وتقول :” كان هو الحلم اللى جانى يارتنى ما نمت ليلتها يا رتنى مانمت “
وتستعيد صلابتها وتحكى :” الحادثه كانت علي الفضائيات كل الناس شافوا ضياء وهو بيستشهد علشانهم وشافوا لحظة انفجار القنبلة على الهواء وحمدت الله انني لم اگن اشاهده , ولما تلقيت الخبر وذهبت مكان الحادثه ووجدت البدله بلا جسد , سالت زملائه : ” ضياء استشهد؟” واتجهدت الى السماء , وقولت ربى انك قولت وقولك الحق : وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبه قالوا ان لله وان اليه راجعون, وذهبت الى المشرحة وكأن الذى استشهد ليس ابنى, كنت اواسى من يبكى واصرخ فيهم : “مش عايزة واحد منكم يصوت على ابنى “.
وترى الام وليدها الان وهى تحكى حتى انها تفارق بنظراتها جلسة الحكى الى مشهد تراه هى وحدها بمفردها , وتحكى :” وجاء ميعاد الوداع ودخل كل واحد ليودعه حتى جاء دورى ولا ادرى ماذا سيحدث لي عندما اراه دخلت وگأن الله نزل علي سكينة ورأيته ممدد وملفلف الا جزء من جبينه قربت منه اكلمه : ولد ياضياء لا انت ممتش انت سامعنى , وشايفنى , وحاسس بى , لاتستعبط وماترضش, ولكنه لم يجيب على , وقتها شعرت بالحقيقة , وانه لن يرد على , من حبى له وخوفت انه يكون زعلان , قلت له : ضياء انت زعلان ؟ متزعلش انت يا ابني وفيت عمرك , واخدت رزقك , ودية موتك , وانا هزغرط لك علشان الملايكة بتزفك , وفضلت ازغرط له الى ان ذهب الي مثواه , ولليوم بسأل نفسي هو اللي انا عملته ده كان صبر ولا فعلا ربنا بينزل الابتلاء ومعه رحمة ؟!”
تبتسم الام المؤمنة وتتكىء على ذكرياتها مع وليدها فهى الان السلوى لها , وتحكى :” ليست هذه الحادثه الوحيده وهو في المباحث واثناء مأمورية في سيناء لاحضار شخص خارج عن القانون اصيب بطلق نارى في صدره نتج عنه تجمع دموى على الرئة وجات القنبله خدت الرئة كلها , الله يرحمك ياضنايه ويصبرني ويجعل مثواك الجنه ويتقبلك شهيد”.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.