كان الابداع المصرى الذى اتخذ اشكالا كثيرة وصورا متنوعة ومجالات عديدة وكانت المسلات والمعابد والجدران والاهرامات والمقابر والبرديات وغيرها من وسائط التدوين واليات التوثيق لكافة مناحى الحياة فى مصر القديمة منذ “معارك التاجين الابيض والاحمر والتى هدفت لتوحيد الارض المصرية منذ 3200 قبل الميلاد لتبقى مصر التى نعرفها ويسطر عنها التاريخ منذ بدايته وحتى ان يرث الله الارض ومن عليها, ولم يتغافل ولم يقصر الابداع المصرى القديم فى تجسيد انتصارات اول جيش نظامى فى التاريخ الانسانى ,
والاجمل فى رسالة الابداع المصرى القديم انها لم تكن للمصريين القدمين فقط وانما للبشرية جمعاء , فمازالت ابداعت الأجداد تدهش الحاضر الوافد والقادم من حضارات العالم اجمع وتجبرهم على احترام انتصاراتنا , بل وتدر عائدا اقتصاديا يشكل احد ركائز الدخل القومى المصرى , ولكن السؤال الان هل لم ينفعل الابداع الحاضر باللحظة الراهنة لانتصارات الاباء فى اكتوبر المجيد وبالتالى هل دام عدم الانفعال ليطول انتصارات موازية لنصر اكتوبر وهى انتصارات الابناء فى سيناء الان؟!
ورغم ان لدى مصر من عناصر القوة الناعمة ما صاغ وجدانا وطنيا يذخر بالدافىء من الذكريات التى مازالت تحيط بنا كحياة أبدية وترتفع القامات الأدبية والفنية فى مصر لتناطح باقتدار اساطين الفكر والأدب والفنون فى مدارس العالم اللاتينية والروسية والإنجليزية , وفى مجالات التحليلات الاجتماعية وقياسات التغير الناشىء من تجليات ثورات متنوعة كتحرر المرأة وتعليمها والى غير ذلك المسارات فى النواحى الإنسانية والاجتماعية عروجا إلى المناحى الاقتصادية والتحولات الحادثة فى مصر الملكية والجمهورية وتلوناتها ما بين الإشتراكية إلى الرأسمالية وصولا إلى ما اتفق عليه المسؤلية الاجتماعية لرأس المال وغير ذلك من تحولات ناشئة من جنى ثمار ثورة المعلومات وما يسمى برقمنة الفكر والإبداع ,
إلا ان الواقع المعاش مازال يلقى اللوم على الأقلام الرصينة ,وومضات العدسات , والوان اللوحات , واوتار الالحان التى لم تنتصر لأكتوبر حتى وقتنا الحالى انتصارا يرتقى لقامة الدم النقى العظيم الذى اريق فى ساحات النضال صونا للارض وحماية للعرض , ربما لم نقدم أدبا متأنيا متأخرا عن الحرب بسنوات كما فعل تولستوي فى خالدته (الحرب والسلام) , وايضا لم نتبارى بتقديم التجربة الحية المعاشة وقتها كما فعل لوركا فى كتاباته عن الحرب الإسبانية , ولم تتوجه إلى تأريخ الحرب أدبيا وروائيا كما قدم هيمنجواى عن الحرب فى رائعته (وداعا للسلاح) أوحتى لم نتناول معجزات المقاتل المصرى من جانبها الاسطورى كما قرأنا عن (حرب طروادة ) لهوميروس ,
بل كل ما تمخض عنه الفكر والأدب هى بعض الكتابات المتواضعة لأبطال عاشوا تجربة الحرب ، ومحاولات لى الروايات الرومانسية والاجتماعية وإضفاء الصبغة الحربية عليها لاعادة تقديم السينما لها كافلام حربية , وفى مضمار الحساب والمراجعة لا استطيع نسيان إسهامات أهم قامتين فى واقعنا الأدبى فكانت سلسلة مقالات (عبرنا الهزيمة ) لتوفيق الحكيم ، و مقالات ( دروس اكتوبر) لصاحب نوبل نجيب محفوظ , واللهم بعضا من نظم للشاعر زين العابدين فؤاد ثانى يوم المعركة (الحرب لسة فى اولها) , وصلاح عبد الصبور التى نظمها فى اليوم الثالث من العبور(إلى اول جندى رفع العلم) وكان يقصد المقاتل محمد محمد عبدالسلام العباسى (رحمه الله) , ثم توالت القصائد ما بين الفصيحة والعامية بدءاً من احمد فؤاد نجم (دولا مين ودولا مين) , ومحمد ابراهيم ابو سنة (افديك يامصر) , وبعدهم جاهين وسيد حجاب وحجازى , وغيرهم , وربما كانت الاغنية واللحن هما من يتصدرا مشهد الابداع – حينها – ولا نعلم سببا لتوقف مدادهما!.
ناهيك عن الافلام السينمائية التى لم تتجاوز الإنتاج من ١٩٧٤ حتى ١٩٧٨ وهى ( بدور والعمر لحظة وأبناء الصمت وحتى آخر العمر والرصاصة لاتزال فى جيبى ) حتى بعض المتناثرات عبر كل سنوات عشر , فنجد حائط البطولات للراحل العظيم محمد راضى , ويوم الكرامة للمبدع على عبد الخالق , والطريق لايلات للوطنية انعام محمد على , وتتوقف الاعمال – النادرة – حتى يأتى بعد 46 سنة من ذكرى اكتوبر مددا يتلهف المصريون عليه وهو (الممر) الذى اعاجد للأسرة المصرية والعربية اجتماعها وتوحدها على وجدان وطنى قومى واحد.
والنهاية ان أكتوبر انتصر له المصريون على جبهات القتال والمعارك وانهزم امامه – حتى الآن – ضمير الأمة من المبدعين اللهم الا من تجارب متناثرة لا ترقى لقيمة الدم الذى اريق مهرا لحماية العرض وعودة الأرض.
وسنتناول فى القادم – ان شاء الله – محاولات انتصار الابداع فى الموسيقا والغناء والدراما السينمائية والمسرحية والاذاعية والتليفزيونية بل والتسجيلى والوثائقى منها , وعبر الطواف بمعارض الفن التشكيلى والرسوم بتنوعاتها , وما بين المقروء والمرسوم والمسموع والمرئى , ومن خلال التجول بين جنبات الابداع قد نلمح محاولات انتصار لاكتوبر وسيناء !.