الدكتورة سامية خضر تكتب : احذروا اختفاء الدولة !

قال تعالى فى سورة آل عمران: “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها”.
تذكرت هذه الآيات وأنا أتابع الإنذار الذى أطلقه ماكرون رئيس وزراء فرنسا فى لبنان الشقيقة وهو يقول وبكل حزم: “احذروا اختفاء الدولة، فكم من الأهوال قد أصيب بها لبنان ولكن، كان انفجار مرفأ بيروت أكثر فزعا ودماراً حيث أعلن رئيس الحكومة اللبنانية أن الدمار يشبه فى كوارثه تفجير هيروشيما ونجازاكى فى الدولة اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية” .
وقد يعتقد البعض أيضاً أن ذاكرة العرب قد حدث لها بعض من التحلل نتيجة عدم القدرة على تجميع النسيج الوطنى للإشكاليات السياسية فى عدد من الدول داخل المنطقة العربية حيث أن خريطة المنطقة العربية بكل تعرجاتها وتاريخها المعقد مع الاحتلال وتفتيت بعضها يجعلنا دوما مهتمين بتنشيط ذاكرة الشباب وملف الوعى عنده ودون توقف، فهو الضمان من خلال الاستمرارية فى متابعة تلك الصور المتدرجة للوصول إلى القوة والتلاحم للمستقبل داخل عالمنا المعاصر.
وقد يتساءل البعض: لماذا تلعب فرنسا دور الأم الحنون؟ والإجابة: لا ينبغى نسيان أن الاحتلال الفرنسى كان يدرك تماماً ودوما أن استمرار الهيمنة على مستعمراته لا يتحقق فقط بالوجود العسكرى وحده بل عبر الاختراق الثقافى ونشر اللغة الفرنسية أو ما يسمى الفرانكوفونيه Francophonie” فمن خلال القاموس الفرنسى عادة تستميل فرنسا دول سبق واستعمرتها لسنوات طويلة وجعلت شعوبها تتبنى إيديولوجيتها خاصة أنه من المعروف أن الاستعمار الفرنسـى هو استعمار ثقافى حيث ينتشر الناطقون بها فى حوالى 54 بلدا حول العالـم وهى اللغة الوحيدة الموجودة بالقارات الخمس بجانـب اللغة الانجليزية، وعلى هذا الأساس وفى انتظار استبعاد كرة النار المذهبية والطائفية من داخل الملعب السياسى اللبنانى، كان برنامج الرئيس ماكرون فى زيارته الثانية بعد شهر واحد من الزيارة الأولى إلى لبنان تشتمل فى مقدمتها على لقاء أيقونة الفن العربى (السيدة فيروز) والتى حظيت بترحاب يفوق التصور حيث أنها فنانة قادرة على تجميع المذاهب بلا استثناء، رافضة للتشتيت والتفتيت وقد أخذت تلك الزيارة مسمى “فنجان قهوة مع فيروز” مع التأكيد على استبعاد كاميرات الإعلام مما جعلها تظهر فى صورة حميمية تماماً بعيدة عن البروتوكولات والتداولات الخشنة فى معترك السياسيين.
ومن المعروف أنه دوما وأثناء الحرب اللبنانية كان “صوت فيروز” يعلو فى جميع مناحى الحياة اللبنانية داخل كل بيت وكل مقهى خاصة أغنية “بحبك يا لبنان”.
ومن هنا نلتقط الخيط السوسيوسياسى لنؤكد أن الفن الراقى ضرورة حياتية بل هو غذاء الروح خاصة بالصوت الفيروزى والنغم الذى يؤثر فى الوجدان ويقهر شيطنه العراك والأنانية والثأر اللامتناهى . بل هو قادر على عودة الشمول الشعبى والاصطفاف الجماهيرى كذلك إنقاذ الدولة قبل أن تتردد صدى الجملة المخيفة والتى تدمى القلوب:
“احذروا اختفاء الدولة”
لذلك ياليتنا نعمل على تطبيق قوله تعالى فى سورة آل عمران: “واعتصموا بحبل الله جميعاً
ولا تفرقوا”، فهل من مجيب؟.
أ.د. سامية خضر صالح
أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.