للمساجد مكانتها وحرمتها وقدسيتها، يقول الحق سبحانه: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا” (الجن : 18)، فهي بيوته التي ينبغي تعظيم حرمتها، حيث يقول سبحانه: “وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ” (الحج : 30).
ولا شك أن الحفاظ على نظافة المساجد أو الإسهام في نظافتها، وحرص العاملين بها على نظافتها الدائمة وبذل أقصى ما في وسعهم لذلك، هو من باب تعظيم حرمات الله، وتعظيم شعائره، يقول الحق سبحانه: “وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ” (الحج : 32).
فخدمة بيوت الله – عز وجل – شرف، و إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك، فجدد النية وشمر عن ساعد الجد في خدمة بيوت الله – عز وجل -، وحول الوظيفة إلى رسالة، لا تدخر في ذلك جهدا ولا وسعا، وإذا كان الأجر على خدمة بيوت الله – عز وجل – أجرا عظيما تحفُّهُ البركة في الدنيا والرحمة في الآخرة، فإن التقصير في المهام الواجب القيام بها وخيم العاقبة على المقصرين في ذلك من المكلفين به، ومن ثمة وجب التفاني في العمل من كل من شرفه الله – عز وجل – بخدمة بيوته.
ومن تمام الحفاظ على نظافة المساجد أن نأتيها في أحسن وأكمل وأتم وجوه النظافة والطهارة والبهاء والنقاء ظاهرا وباطنا، استجابة لقول الله – عز وجل – : “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” (الأعراف : 31).
وقد أثنى رب العزة في كتابه العزيز على المتطهرين من عمار بيوته وغيرهم فقال سبحانه وتعالى مخاطبا نبينا – صلى الله عليه وسلم – : “لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ” (التوبة : 108)، وقال سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة : 222)، ويقول سبحانه مخاطبا نبينا – صلى الله عليه وسلم – : “يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ” (المدثر : 1-4)، ويقول نبينا – صلى الله عليه وسلم – : “الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ” (صحيح مسلم).
ولم يُعن الإسلام بمجرد النظافة بل حث على الكمال فيها، فعد نبينا – صلى الله عليه وسلم – إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات ويحط به الخطايا، فقال – صلى الله عليه وسلم – : “أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ” (صحيح مسلم)، كما حثنا – صلى الله عليه وسلم – على الاغتسال في مواطن عديدة، وبخاصة عند الجمع والجماعات، كغسل الجمعة وغسل العيدين وغيرها، تأكيدًا على نظافة الجسد وطهارته طهارة تامة.
وعني ديننا الحنيف بتكريم من يقومون بخدمة المجتمع ولا سيما في مجال النظافة، فقد كانت امرأة تَقُمُ الْمسجد أي تنظفه ففقدها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال – صلى الله عليه وسلم – : “أَفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي” (صحيح مسلم)، فدلُّوه على قبرها فصلى عليها النبي – صلى الله عليه وسلم – إكراما لخدمتها لبيت الله – عز وجل – وحرصها الشديد على تنظيفه .