المصرى الجديد هو – ذاته – المسئول الأول عن التغيير بهدف الإرتقاء بمعتقده وفكره واحاسيسه وسلوكياته للأفضل , ولن يتشكل هذا التغيير الا اعتمادا على أهم ركائز البناء فى شخصية المصرى الجديد, تلك اللبنة هى بمثابة الرابط المتشابك بجميع اركان بناء الشخصية الجديدة , لها من التأثير الكامن والظاهر أن تجعل البنيان قويا راسخا وجميلا بديعا فى علاقة طردية مع قوة تلك اللبنة ونقائها, الا وهى (الحب), تلك المشاعر المؤكدة بمعتقد صادق وفكر مستنير ومتحضر, فلن يتمكن الانسان من اعادة بناء ذاته الا عندما تتواجد طاقة الحب التى هى مصدر واساس الحركة والسكون , ودافع كل شعور, ومحرك كل تفكير, وانطلاق كل سلوك لهذا الانسان الجديد, ونعود نطرب لنظم ايليا ابو ماضى ” ان نفسا لم يشرق الحب فيها .. هى نفس لم تدر ما معناها “, فغاية الغايات ان يدرك المرء ذاته وكنه وجوده, وحتى تتولد علاقة حب مع هذه الذات لا بد من مبررات واسباب ودوافع تحيط بعقل ووجدان هذا الانسان وتؤثر عليه ايجابا بالمضى قدما نحو البقاء والدفاع عن وجود هذه الذات التى يحبها, والتقارير الاخبارية تسوق كل يوم سيلا من تدفقاتها الاعلامية على نحو بقاء انسان ما على قيد الحياة, حتى ان الكثير من الاجراءات الطبية الاكلينيكية تقف حائرة تبحث عن مبرر بقاء الانسان الذى فقد – طبيا – كل مقومات البقاء فى الحياة, سوى انه يملك ذاتا مازالت تتشبث بالحياة وتأبى الرحيل, ويسرد الادب فى رواياته ما يفوق توقع البقاء فى الحياة ففى سبتمبر من العام 1704 كان اليكساندر سلكيرك – بحارا – بالقرب من إحدى جزر تشيلى حيث تحطم قاربه فى جزيرة جان فرننديز, وبقى عليها وحيدا مدة أربع سنوات وأربعة أشهر، وساقت الصدفة بارجة حربية انجليزية لتنقذه وتعيده الى المدنية من جديد, ومن هذه الواقعة كان اقتباس اوليات الروايات بالادب الانجليزى (روبنسون كروزو) لدانيال ديفو سنة 1719 تحكى عن شاب انعزل فى جزيرة وحيدا لمدة طويلة دون أن يقابل أحد من البشر، ثم بعد عدة سنوات يقابل أحد البدائيين من البشر ويستطيع استأناسه وتعليمه وتدريبه على صنوف السلوك الانسانى, وتعكس الرواية مدى قوة رغبة الانسان وشدة تمسكه بالحياة , وحتى يبقى, عليه ان يعيش متحضر متمدن, رغم بدائية الحياة وفطرتها القاسية التى تتطلب منه – وحده – ان يُعيد تهذيب أشواك تلك الحياة لتكون فى خدمته وتعينه على البقاء وربما ليس فقط البقاء وانما كان التحدى هو الاستمتاع بالحياة, ولان الانسان المتحضر صاحب الذات المتمدنة لا يستطيع ان يعيش منفردا بل فى انس بغيره من الناس, هكذا استطاع المحب للحياة وللاخرين ان يستأنس ببدائيا من البشر الاوائل ويعيد ترتيب فطرته الى صفاتها الانسانية تاركا عيوبها المتوحشة حتى يكون له جار يتعايش معه فى حياة اكثر رقيا, ومن الرواية عدة اوجه متلألئة كعادة الابداع ساحر فى كل اوجه ماسته الثمينة ومن وجه ما يتضح ان حب الانسان لذاته هو ما ابقاه رغم الظروف المستحيلة والمعاندة للوجود, بل هذا الحب هو ما سعى بصاحبه الى مصادقة الكائنات من بحار ونباتات واشجار وحيوانات واجواء تلتهب بالحار وتضطرب بالعواصف وترتعد بالرعد, وكل هؤلاء استطاع الانسان بحبه لذاته ورفضه الاستسلام بالرحيل, استطاع ان يُجمّل بهم حياته, ولم يراهم اسباب فناء لوجوده, بل لانه بحبه للحياة وادراكه لمعنى الوجود وحقيقته استطاع ان يهذب انسان متوحشا ترك نفسه لوحشية الحياة وغادرته ذاته الانسانة ليحل محلها روحا همجية, ولكن لطبيعة الانسان الموجود فى نفس وذات هذا الكائن عاد من جديد انسانا حقيقيا يحب وجوده ويأنس بغيره !.
وليس هناك اصعب فى المعاناة من بقاء الانسان – منفردا – يواجه المحيط به من كل الكائنات ليثبت لذاته اولا ولغيره ثانيا انسانيته المتحضرة وروحه المتمدنة, ورغم كل الصعوبات والعوائق بقى الانسان انسانا محبا لذاته ومدركا لحقيقة وجوده وهو اعمار الكون بالحب لا بالوحشية! ونستكمل فى القادم ان شاء الله لنبنى أركانا جديدة فى المصرى الجديد نكتشف معا كيف يكون الحب مصدرا للتغير وسببا للبقاء, وعلى الانسان ان يعيد تقيم ذاته ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية قط وانما الباطنة أيضا, ويعود كما كان اجداده الأصل واصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول به!.