فى نهاية آخر ملفات استراتيجية تحصين الوعى وبناء الفكر – كتاب مسئوليات الثقافة – نتحدث عن ما يسمى بانتحار المعانى وتشوية الدلالات , وهى أحد أدوات الآخر فى اختراق جدران الوعى ومسخ الفكر, وكيف روج الآخر لقتل معانى متجذرة فى وجدان المصريين منذ التاريخ الإنسانى كمعانى “الوطن , التعايش , قبول الآخر, التسامح , التاريخ , الأمل , التراب المقدس” واجتهدوا فى وأد دلالات تلك المعانى , واحلال محلها ” عفونة التراب ! ” وغيرها من المفردات ذات المعانى القاتلة للأمة حاضرا ومستقبلا, واستكمالا لتنفيذ المخطط فى قتل الجمال وإحياء القبح , كانت مؤسسات وكيانات عابرة للقارات تدعى الحقوقية والعدالة وتتشدق بإحترام الإنسان وتقديس خصوصيته – بالطبع تلك الأهداف للتصدير الخارجى وليست للاستهلاك المحلى لديهم ! – ,
وظهرت ما يطلق عليها جمعيات الهيومان رايتس ومثيلاتها التى تدرب الحمقى على العمالة , وتغذق على شواذ الفكر والأخلاق من أموال الجيران الأقزام ! , ليحترفوا خيانة الأوطان !, وبالتالى كان لابد لهؤلاء من لباس يلبسونه يخفون تحت ستره تشوهاتهم الأخلاقية , ونفوسهم المظلمة , وتلك الوجوه العابسة تتوارى خلف أقنعة من المفردات المبتكرة التى لم تكن بيننا يوما من الأيام الخوالى , ونرى منها : ” مناضل , وثورى , وحقوقى , وقائد ميدان الثوار , ومحلل ما بين سياسى وعسكرى واجتماعى وإعلامى واستراتيجى وربما محلل طبى وإقتصادى “, ونذهب إلى مفرادات أخرى ” كالمنظّر , والمخطط , والممّول , والمدافع , والمضحى , ومورد المجاميع , ومؤلف الاغانى , وملحن الميدان , وقائد مجموعة التأمين ” , ولا يمنع استجلاب شخوص من المهاجرين المطرودين أو المنبوذين لم تنتمى يوما لتراب هذا الوطن وتفضحهم مجرد ملابسهم الشاذة , وتعبيراتهم الهجينة , وأحاديثهم عن المصريين وما هم بمصريين حتى انهم يغقلون ان يوم الجمعة به صلاة جماعة للمصريين المسلمين, ويسعى كلا من المخطط والممول ان يُكسبا الشخوص ” قداسة دينية , ومهابة علمية , وسطوة أمنية , وحداثة تكنولوجية , واستنارة فلسفية” , فينتقى ممن لم نسمع عنهم من قبل ولم نراهم بيننا , من هؤلاء الفارين للخارج أمنيون يخططون – عن بعد – عن كيفية اقتحام الميادين وآليات السيطرة عليها , ويشرح خبراء التكنولوجيا عن كيفية تحقيق شبكة من الإتصالات عبر مواقع التواصل تنشر الاكاذيب والخدع , ويلوك رجال الدين على ألسنتهم بأقاويل الحق المراد بها باطل وآيات الجهاد والخروج على النظام , وينشر عبر مكبرات الصوت المؤجرون من العلميين والسياسيين الخطب العصماء عن الولاء للوطن ويدعون المقاطعة وجوازات اسفارهم ممهورة بأختام الرضا من الكيانات المعادية للوطن !, ويتباكون وهم يذرفون دموعا – باردة – عن طهارة الدم الانسانى وشرفه , وأياديهم مخضبة بدماء العراقيين من بوابة العروبة الشرقية إلى الصوماليين فى الجنوب ,
ويأتى الدور على المنظرين الفلاسفة المنتمين إلى مذاهب فكرية بالية سقطت قلاعها الشرقية فى روسيا القديمة والشمالية فى أوربا منذ أمد بعيد وأثبتت التجارب العملية فشل معتقدها, وهم مدعى الفهم والإدراك واستشراف المستقبل الذين ينادون بحتمية اسقاط كل شىء من الدولة ليعاد بنائها من جديد – هيهات إن سقطت أن تعود !- وتأتى مدعيات الشرف بعباءة الحرائر الكاذبة لتنفذ ما تم الإتفاق عليه دراميا , وتهتك ستر عبائتها كشرك خداعى تشكك فيه المجتمع وتؤلبه على قواته المسلحة عبر مشهد المفترض عفويته لكنه مصور من عدة كاميرات مجهزة سابقا , لتستنفر الشهامة فى غير موضعها !, وتأتى دوائر القتل وسط المجاميع لتقتل الشيخ عفت فى التحرير ومحمد الراوى فى السويس وغيرهما ويثبت الطب الشرعى قتل الأبرياء على مسافة تقل عن متر ونصف أى كان القتل وسط المتظاهرين!, وبطلقات 9 ملل أى ليس بتسليح أفراد الجيش والشرطة ! وتتجمع دوائر التشجيع وإثارة الحماسة للمجامبع كلما خبت أوقدوا جذوتها من جديد ليظل الشارع يحترق بالرفض والحقد والكراهية على الأبرياء القتلى , والحق انهم قتلوا بينهم , كل هؤلاء يعبدون الوطن نهارا ويكفرون به آخر الليل , وهم يقبضون رواتبهم وأجورهم نظير إختراق الوعى المصرى وهدم الفكر الجمعى وإسقاط القيم , وتشويه المبادىء, وطمس الأخلاق , فى حالة من فوضى المفردات ولغط تداولها على ألسن العملاء والخونة ليسهل للآخر تحقيق هدفه الأول والمعلن قديما من خلال رسائل الصقور الأوائل ممن بنوا استراتيجية زرع واستمرار كيانهم فى الأراضى العربية وتعتمد على عدم قراءة العرب للتاريخ وصعوبة تفهمهم لجدليات التاريخ وإدراك مفاصله , وبالتالى استحالة التحكم فى الحاضر وغياب روؤية التنبوء واستشراف المستقبل , وهى التى نشرها الصحفى الهندى كرانجيا عام 1957, وهى التى – أيضا – نصح بها القائد المنهزم خلال تحقيق اجرانت 1974 وعبر كتابه “مذكرات دايان” , أو من خلال استراتيجية وضعها أوديد يينون ونشرها فى مجلّة “كيوفونيم” (اتجاهات), وكانت العلانية المطلقة عام 1983 عندما وضع منظّر “الفوضى الخلاّقة” برنارد لويس مخطط الشرق الأوسط الجديد الذى يُعيد صياغة اتفاقية سايكس بيكو 1916 ,
والآن يأتى الدور على كتاب شيمون بيريز “الشرق الأوسط الجديد” الصادر فى 1996 الذى جاء فيه “.. من هنا كان الرهان على إثارة النزاعات الأهلية فى الوطن العربى وفى تقديم الدعم لعدد من الحركات الانفصالية ومساعدة ميليشيات القتل الطائفى وتغذية التيارات الأصولية والسلفية المتشدّدة فى نظرتها إلى الآخر وعدم الإعتراف بوجوده وبحقّه فى الإختلاف وفى التمايز فأثبتت بذلك قدرتها على التلاعب بالعصبيات الفئوية وتوظيفها وتعميق التناقضات لدى مكوّنات المجتمع العربي ودفعها إلى ما يشبه الحروب الدائمة الطافرة والكامنة وتالياً للاستسلام أمام إرادتها في السيطرة والتسيّد على الشرق الأوسط الجديد”.
ونستكمل فى القادم ان شاء الله اسباب اللغط فى مفردات الحرية والعدالة , وانكشاف الوجه الحقيقى وراء دعاوى حقوق الأقليات , وتتجلى أباطيل كانت مخفية وراء أقاويل دينية , وجميعها أدوات ودُمى لا حول لها ولا قوة إلا لتنفذ استراتيجية تقسيم المقسم وتجزأة المجزأ, وعلينا أن نعى من الآن كيف نواجه نوايا وأفعال الآخرين من خلال ثقافة مسئولة تحصن الوعى وتبنى الفكر من أجل عبور جديد وانتصار نحن قادرون على تحقيقه.