ابراهيم نصر يكتب : فى ذكرى الهجرة

بحسب المعهد القومى للبحوث الفلكية يولد هلال شهر المحرم في تمام الساعة الرابعة والدقيقة 42 فجراً بتوقيت القاهرة المحلي يوم غد الأربعــاء 29 من ذي الحجـــة 1441هـ، ويبقى الهلال الجديد في سماء مكة المكرمة لمدة 35 دقيقة، وفي القاهرة لمدة 37 دقيقة بعد غروب شمس ذلك اليوم “يوم الرؤية”، ليبدا العام الهجرى الجديد بعد غد الخميس الموافق 20 أغسطس 2020م.
وفى هذه الأيام تحتفل الأمة الإسلامية بذكرى الهجرة النبوية المباركة، التى مهدت وأسست لبناء دولة الإسلام العظيمة التى كانت خيرا وبركة على الإنسانية كلها، إذ أخرجت الناس من الظلمات إلى النور ومن الجور إلى العدل، برسالة الإسلام العالمية التى هى آخر رسالات السماء إلى الأرض، وختام الوحى بما نزل على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى سلام.
وكثيرا ما يتردد فى الاحتفالات بهذه الذكرى العطرة الحديث الصحيح، الذى رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة، ومن حديث ابن عباس، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا” ومعناه عند أهل العلم: لا هجرة من مكة بعدما فتحها الله على نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس المعنى نفي الهجرة بالكلية، بل المراد: لا هجرة بعد الفتح يعني: من مكة إلى المدينة، لأن الله سبحانه جعلها دار إسلام بعد فتحها، فلم يبق هناك حاجة إلى الهجرة منها، بل المسلمون يبقون فيها.
وأما الهجرة نفسها فهي باقية، ولهذا جاء في الحديث الآخر الصحيح: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، فمن كان في بلاد الشرك واستطاع أن يهاجر فعليه أن يهاجر كما قال الله سبحانه: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” [النساء: 97].
وجاء فى تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله: إن الآية تدل على وجوب الهجرة، وقال: ذلك مجمع عليه بين أهل العلم أن الهجرة واجبة على كل من كان في بلاد لا يستطيع إظهار دينه، فإنه يلزمه أن يهاجر إلى بلاد يستطيع فيها إظهار دينه، إلا من عجز كما قال تعالى فى الآية بعدها: “إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً” يعني: بالنفقة، وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا يعني: لا يعرفون الطريق حتى يذهبوا. “فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ”، و”عسى” من الله واجبة، والمعنى: فأولئك معفو عنهم، الرجل العاجز والمرأة العاجزة، وهكذا الولدان الصغار أتباع لغيرهم ليس لهم طاقة إلا بالله ثم بأهليهم.
وفى صحيح البخارى حديث عبدالله بن عمرو عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه”، وهذا الحديث من جوامع كلمه – صلى اللهُ عليه وسلم -، وفيه بيان أن المهاجر الكامل هو من هجر ما نهى اللهُ عنه، وهو الذي جمع إلى هجران وطنه وعشيرته هجران ما حرم اللهُ تعالى عليه، فمجرد هجرة بلد إلى آخر مع الإصرار على المعاصي ليس بهجرة تامة كاملة، فالمهاجر بحق هو الذي لم يقف عند الهجرة الظاهرة، من ترك دار إلى دار آخر، بل هو من هجر كل ما نهى اللهُ عنه.
والحديث يبيّن- في جلاء- أن الظواهر لا يعبأُ اللهُ تعالى بها إذا لم تؤيدها الأعمال الدالة على صدقها، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا دائما إلى هجر ما نهى الله عنه، وأن يجعل العام الهجرى الجديد عام خير وبركة على أمتنا المصرية وسائر بلاد العالمين.
Ibrahim.nssr@gmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.