” تفحيرات بيروت ” بين الإهمال .. و الهجوم الصاروخي ” ملف “
– من المسئول عن تفجير مرفأ بيروت المروع؟
– المؤشرات الأولية تشير إلي الإهمال الجسيم رغم تحذيرات مسئولي الجمارك من عواقب تخزين “نترات الأمونيوم” في مستودع متصدع
– انقسام القوي السياسية حول تشكيل لجنة تحقيق محلية أو دولية لكشف ملابسات الكارثة التي حلت بسيدة المدن
سيظل لبنان يعاني ما دامت أوضاعه كما هي.. تتخاطفه الأزمات وتحاك له المؤامرات ويتعرض لمحن وضربات من الخارج طالما أن الداخل منقسم علي نفسه بين سياسيين متناحرين وميليشيات مسيطرة وقوي خارجية إقليمية ودولية طامعة في ثرواته، ومتفقة علي إبقاء الوضع علي ما هو عليه لتبرر تدخلها في شئونه، ما لم تتوحد كلمة العرب لإنقاذه وإقالته من كل ما يمر به من عثرات.
التفجير المروع الذي دمر شطر ببيروت وأحال مرفأها إلي أطلال وعاد بها إلي الخلف عقود طويلة أدمي قلوبنا جميعا، ورغم المساعدات العاجلة التي قدمتها مصر وعدد من الدول العربية الشقيقة، إلا أن وقفة حاسمة وقوية مطلوبة الآن من كل الأشقاء العرب لتمكين الشعب اللبناني من تجاوز أزمته الكبري بدل تركه لأجندات الغرب ومساومات المتآمرين.
-
تحليل يكتبه: عبدالخالق صبحي
ربما يكون هذا هو السؤال الأهم في أي تحقيق مقرر حول الكارثة التي حلت بلبنان كدولة، وبعاصمتها بيروت كحاضرة كان يحلو للكثيرين وصفها بـ “سيدة المدن”.
فقبل البحث عن عواقب الانفجار المدمر الذي تسبب في تدمير نصف مساحة العاصمة وتشريد سكانها، وتحويل الميناء الرئيس لهذا البلد الذي كان يعد الشريان الاقتصادي الأكثر حيوية وأهمية لحركة التجارة واستقبال المواد الغذائية الأساسية وكل السلع الإستراتيجية وحركة السياحة إلي أطلال، وقبل البحث فيما إذا كان جزءا من مؤامرة كبري علي هذا البلد الشقيق، وما إذا كان المرفأ قد تعرض لهجوم صاروخي استهدف تفجير المستودع الذي يحوي كمية مرعبة من مادة نترات الأمونيوم شديدة الخطورة ـ وهو أمر وارد جدا وهناك صور فوتوغرافية تؤكده ـ يجب البحث أولا عن المسئول أو المسئولين الذين تغاضوا عن وجود ما يقرب من ثلاثة آلاف طن ـ تحديدا 2750 طنا وفقا لرئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب ـ من مادة أقل ما توصف به أنها مادة ملتهبة سريعة الانفجار وليس مجرد الاشتعال.
هذه المادة التي كان الجيش الجمهوري الأيرلندي يستخدمها في صناعة المتفجرات في حربه في أيرلندا الشمالية.
أما قصة وصول نترات الأمونيوم إلي مرفأ بيروت فتتلخص فيما ذكره الموقع الالكتروني “مارين ترافيك” لمراقبة حركة السفن، عند رسو سفينة ترفع علم مولدوفا في 20 نوفمبر 2013 إلى بيروت، وبقيت هناك نظرا لعدم صلاحيتها لاستكمال رحلتها، ورجّحت مصادر أمنية لوكالة الأنباء الفرنسية أن السفينة توقفت في بيروت كمحطة ترانزيت، وخلال توقفها، ادعت شركة لبنانية ملكيتها للسفينة، فتمّ الحجز عليها وإفراغ حمولتها، أما السفينة فقد غرقت في وقت لاحق أمام الميناء. وأُودعت شحنات نترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 المخصص لتخزين البضائع العالقة والمصادرة.
هنا يطل الإهمال الجسيم برأسه، واللامبالاة وعدم الإحساس بالمسئولية من جانب كل من تورط بالتجاهل والتغاضي وعدم الاكتراث للخطر الداهم الذي تمثله هذه المواد شديدة الخطورة في قلب العاصمة بيروت، علما بأن هناك من حذر أكثر من مرة من عواقب وجود هذه المواد في مرفأ بيروت، فقد ذكرت مجلة ناشونال انتريست الأمريكية في تحقيق لها حول الموضوع إن الانفجار أكثر مأساوية لأنه كان متوقعا من جانب مسئولي المرفأ مرارا وتكرارا، ففي يناير الماضي كتب مسئولو الجمارك اللبنانية إلى الهيئة القضائية المسئولة رسالة طالبين فيها أمرا من المحكمة بالتخلص من نترات الأمونيوم، ومحذرين من أنها إذا بقيت في مكانها يمكنها “أن تنسف بيروت كلها”- وكانت هذه هي الرسالة الأحدث والأكثر إلحاحا في سلسلة من الرسائل التي لم تلق ردًّا منذ عام 2014.
وكانت سلطات مرفأ بيروت والجمارك والأجهزة الأمنية على علم بأن هناك مواد كيميائية خطيرة مخزنة في المرفأ في مستودع متصدع ، فمن يحاسب هؤلاء، وما جدوي حسابهم الآن بعدما وقعت الواقعة وحلت النكبة؟
هل تعود بيروت كما كانت قبلة السياح وشانزليزيه الشرق؟
قد لا تكون الطريقة التي وصلت بها هذه المواد “نترات الأمونيوم” إلي مرفأ بيروت، بقدر أهمية معرفة صاحب قرار بقاءها لأكثر من 6 سنوات كاملة مخزنة في المستودع نفسه الذي استقبلها لحظة وصولها إلي لبنان، بطريقة تفتقد للحد الأدني من التأمين، ومن دون التفكير في تقسيمها وتوزيعها علي عدد كبير من المستودعات البعيدة عن الميناء وعن الأعين ـ باعتبارها مواد شديدة الخطورة علي المرفأ وعلي سكان العاصمة وعلي الأمن القومي اللبناني، فهي لا تقل خطورة عن الأسلحة والذخائر التي تستوجب إبقاء أماكن تخزينها سرية جدا، ومؤمنة ضد القصف الجوي وبعيدة عن المناطق السكنية، وعن التأثيرات الجوية من حرارة قد تتسبب في انفجارها بشكل ذاتي أو رطوبة قد تؤدي إلي تلفها..هذه بديهيات تم تجاهلها تماما حتي وقعت الكارثة الأكبر في العالم بعد التفجيرات النووية.
وربما يكون السؤال التالي في الأهمية: من المستفيد من تفجير بهذا الحجم في بلد يعاني من أزمة مالية طاحنة ومشكلات سياسية وصلت في أحيان عديدة إلي حد الفراغ السياسي وعدم قدرة القوي السياسية علي الاتفاق علي تشكيل حكومة بسبب النزاع علي السلطة، إضافة لمشكلات متعلقة باللاجئين السوريين وغيرها من المشكلات؟
المستفيد معروف للبنانيين وللعالم كله، وسبق له اجتياح لبنان، والاعتداء عليه وتدمير بنيته التحتية، فضلا عن احتلاله لجزء من أراضيه، وهو الكيان الصهيوني الذي لا يتوقف عن اختراق الأجواء اللبنانية، ومياهه الإقليمية دون رادع من قانون دولي، ومن دون احترام لسيادته، وإن كان المسئولون الإسرائيليون بادروا بإعلان عدم مسئوليتهم عن التفجير الأخير فور وقوعه، وهو أمر لا يعفيهم من المسئولية عنه إذا ثبت من التحقيقات أن التفجير وقع جراء قصف صاروخي، وليس بسبب ارتفاع درجات الحرارة مثلا، وهو الأمر الذي أقره شهود عيان أكدوا أنهم سمعوا صوت طائرات اخترقت حاجز الصوت قبيل لحظات من وقوع الانفجار المروع ونشرته مواقع الكترونية عقب تفجير مرفأ بيروت بدقائق، وأكدته صور فيديوهات يظهر فيها صاروخ موجه للمرفأ قبيل وقوع الانفجار الثاني الكبير.
فإذا لم تكن إسرائيل هي الفاعل..فمن يكون الفاعل؟
لا أحد من دول الجوار ولا من القوي الإقليمية في المنطقة له مصلحة في تدمير قدرات لبنان، وتعريضه لضربة موجعة لكل مقدراته سوي جارته الجنوبية ، ولماذا لبنان؟
لأن لبنان مقر حزب الله الموالي لإيران ويمثل ذراعها العسكري الذي سبق وهددت طهران بالانتقام من خلاله لمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني باعتباره ذراعها القادر علي تهديد إسرائيل بحكم القرب الجغرافي.
ولما كانت إسرائيل لم تعترف بمسئوليتها عن تفجيرات إيران الغامضة التي طالت مواقع عسكرية مهمة تخص الحرس الثوري الإيراني ومفاعل نطنز ومخازن أسلحة وذخائر وغيرها من الأهداف الحيوية الإيرانية، فكان الأجدر بها أن تسارع بنفي مسئوليتها عن تفجير مرفأ بيروت القريب من مواقع حزب الله لتوصيل رسالة إلي ملالي طهران بأنها الأطول ذراعا والأقدر علي تهديد مصالحها، وأذرعها العسكرية، وأنها لم تمهل إيران ولم تسمح لها بالثأر لمقتل سليماني ولا لتفجيراتها الغامضة التي استهدفت برنامجها النووي.
وكعادة القوي السياسية اللبنانية اختلفت علي طبيعة التحقيق في الحادث، ففريق يري أن لبنان به من الكفاءات من لديه القدرة علي استجلاء الحقائق وإدانة المقصرين ويتزعم هذا الاتجاه حزب الله بزعامة حسن نصرالله الذي أعلن ثقته في الجيش اللبناني وقدرته علي إجراء التحقيق ويؤيده الرئيس ميشال عون، وفريق آخر يؤيد فكرة أن يتولي التحقيق لجنة دولية أو عربية للكشف عن الأسباب التي أدت الى وقوع كارثة المرفأ، يضم كلا من سعد الحريري رئيس الوزراء السابق ووليد جنبلاط وسميع جعجع، بينما الأسر اللبنانية مشغولة بدفن ضحاياها وتضميد مصابيها، والبحث عن ملاجئ لإيواء المشردين!
الموضوع التالي
– يوم الحساب.. يتحول إلي خريف لبناني
– المحتجون يقتحمون وزارة الخارجية ويعلنوها مقرا لثورتهم
– كل الطرق تؤدي إلي ثورات الخريف العربي.
اللبنانيون قرروا إعلان الثورة علي حكومتهم وسياسييهم وأحزابهم ومسئوليهم مدفوعين بمشاعر الغضب والاحتجاج على خلفية التفجيرات التى زلزلت عاصمتهم، وسوت مرفأهم بالأرض.
لم تمنعهم أوجاعهم علي الضحايا، ولم يكتفوا بدفن شهدائهم، وعلاج مصابيهم، كفكفوا دموعهم وانطلقوا إلي الشوارع غاضبين علي كل شيء، الإهمال والفساد والأوضاع المتردية التي يعانونها.
اقتحموا وزارة الخارجية فى الأشرفية وأعلنوها مقرا لثورتهم.
رفعوا لافتات مكتوب عليها “يوم الحساب”، و””علقوا المشانق”، ورددوا هتافات معارضة لحزب الله “إرهابي إرهابي.. حزب الله إرهابي”.
أصيبوا خلال اشتباكاتهم مع قوات مكافحة الشغب ورشقوها بالحجارة، وردت الشرطة عليهم بالقنابل المسيلة للدموع
وفي محيط مجلس النواب دارت اشتباكات عنيفة بينهم وبين قوات مكافحة الشغب حاولوا خلالها الوصول إلي مبنى البرلمان .
أزالوا الحاجز الحديدي المؤدي إلى مجلس النواب، فيما أصدر الجيش اللبناني بيانا أعرب فيه عن تفهمه لوجع اللبنانيين، مشددا على أهمية سلمية الاحتجاجات، وأطلقت قيادة الجيش غرفة طوارئ متقدمة لمتابعة الأوضاع الإنسانية والإنمائية في المنطقة المنكوبة في بيروت، برئاسة العميد الركن سامي الحويك، ضمت ممثلين عن وزارات الاتصالات والأشغال العامة والنقل، الطاقة، الصحة والشئون الاجتماعية.
الجيش اللبناني حمل علي عاتقه مسئولية البلاد، بدءا من تهدئة روع المتظاهرين الغاضبين، مرورا بمناشدتهم الالتزام بالاحتجاج السلمي، وصولا إلي محاسبة المقصرين من خلال لجنة التحقيق المقترحة مع الحرص علي حقن دمائهم بمناشدتهم عدم تصعيد المواجهات مع قوات مكافحة الشغب.
الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد معاناة إعادة الإعمار، ولعق الجراح، ومحاسبة المتسببين في الكارثة، ما لم يكن هناك أجندات خارجية تتولي المزيد من التصعيد الذي لا تحتمله البلاد.
الموضوع الثالث
– الدم اللبناني .. بين الاعتداءات والتفجيرات والاغتيالات السياسية
– وكأن لبنان علي موعد مع الوجع والخراب والدمار والقتل!
– فما أن يفيق من مأساة إلا ويدخل في غيرها.
والمؤكد أن هناك من يتربص به الدوائر ويتعمد تدمير أي إنجاز تنموي يتحقق علي أرضه، لتأتي مأساة جديدة تخرب ما تم تعميره في سنوات يتجرع فيها اللبنانيون كئوس الفقد والخسارة وعدم الاستقرار، ويدفعون ثمنا فادحا من أرواحهم وممتلكاتهم ومشروعاتهم وبنيتهم التحتية، ليبدأوا مشوار إعادة إعمار من جديد، وتضميد الجراح ومحاولة تعويض الخسائر، وإعادة الأمور إلي ما كانت عليه قدر المستطاع.
آخر هذه المآسي التفجير المروع الذي وقع في مرفأ بيروت الثلاثاء الماضي وتسبب في مقتل أكثر من 150 شخصا حتي كتابة هذه السطور، وإصابة أكثر من خمسة آلاف آخرين، وخسائر تقدر بـ 15 مليار دولار وفقا لتقديرات البنك الدولي.
ولم تكن بداية المحن التي تعرض لها هذا البلد في سبعينيات القرن العشرين عندما اندلعت حرب أهلية مدمرة استمرت من أبريل 1975 إلي 1990 أي خمسة عشر عاما، حصدت الأخضر واليابس وخلفت وراءها زهاء 120 ألف قتيل، و76 ألف مشرد في أنحاء لبنان حتي عام 2012،. ومليون نازح جراء الحرب.