قام عالم سلوك الحيوان ” ديزموند” بشرح سلوك الحيوان فى حديقة الحيوان مقارنة بسلوكه فى الغابة ,عندما يكون خلف قضبان من الحديد ويتم أسره فى قفص ويشاهده المترددين على الحديقة ،حينئذ يتغير سلوكه كليا ليصبح عدوانيا ،عاجزا ،يائسا بل يهجم أحيانا على من يطعمه وهذا يناقض تماما سلوكه فى الغابة حيث يتميز بالشجاعة ولا يهاجم فريسة إلا إذا كان جائعا ويتمتع بوجوده بين فصيله ويتوحد معهم .
وبعد أطلاعى على هذه التفاصيل توقفت لأتذكر اجمل صورة خلقها الله فشاهدت الإنسان وقلت أن العبادة إيمان وتسليم وخروج عن الذات والتخلى التام عن الأنانية ولا تقوى إلا النفس الشفافة وهى النفس الثرية الغنية الكريمة ..وهى الطبيعة المتسامية للمودة والنقاء..فالنفس البخيلةعاجزة عن العطاء والأنانية أكثر عجزا ..وعند محراب الإنسانية يخلع الإنسان المحب الصادق ما علق بنفسه من حقد وكراهية ونرجسية وأقنعة مزيفة وأنانية.
فالانسان حين يتخطى ذاته ليتفاعل بصدق مع من حوله ويلتقى معهم بمصدقية وتتكون علاقاته الأنسانية بكل المبادئ السمحة التى فطرنا الله عليها ..فهذه هى القدسية بعينها..فالتعبد يقودنا إلى التقديس وهذا لا يتحقق إلا بالخروج من الذات ليتعامل مع من حوله بالمعنى الانسانى الحقيقي ..وهنا تكون الطبيعة الأصلية للإنسان الحق وهى أن يخترق أسوار ذاته ،وهذا يعنى أنه فى حاجة إلى أن يعطى وأن يصبح عطوفا محبا سخيا فى معاملاته الاجتماعية والإنسانية ويكون فى أكثر حالاته سماحة وصدقا ووضوحا .
إن هذا هو الفرق بين البحر الميت أو البحيرة المنغلقة على مائها وبين النهر المتدفق السخى لأن له منفذا يستطيع من خلاله أن يعطى ..إنه غنى بذاته لأنه يستطيع من خلاله أن يعطى من مياهه ما يجعل الأرض تفيض زهرا وثمرا ..سخاء وخصوبة..ولذلك فالنهر يعطى من حوله اما البحر الميت فإنه يفزعنا ..يخيفنا ..لانه تعود على أن يحتفظ بما لديه من مياه..وهكذا حياة الإنسان تكون راكدة متوقفة إلى أن يتفاعل ويعطى بصدق ورحمة وشفافية ..فإذا خرج من حبه لذاته فقط واحب من حوله دون أقنعة أو تشوهات للحقائق دبت فيه الحياة ..فى نفسه وروحه ويعلو ويسمو ويبدع إذن الإنسانية حياة ورغبة حقيقية فى العطاء.
فعندما تتحق المعانى الإنسانية بداخلنا تختفي كل مظاهر العدوانية والأنانية والعنف والضغينة والحقد ..وبالتالى يسكن التسامح القلوب ..اما الشماتة والانتقام والحقد فتؤدى إلى انهيار رأس المال الاجتماعى ” أى الحميمية وحب الٱخرين” وفقد المعانى الإنسانية.
دعونا نتشاور ،نتسامح ،ونتحاور من أجل حياة إنسانية محترمة ترتقى بالمجتمع بأسره.