علي الرز يكتب : أكتاف مصطفى .. !
لا يَحمل رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي عصا سحرية ولا يدّعي أنه يحملها. فمنذ اللحظة الأولى لتَسَلُّمه منصبه كان الرجل في قمة الوضوح بالنسبة لِما يمكن تحقيقه بين أحلام العراقيين في دولةٍ سيّدة حرّة تدير مواردَها بطريقةٍ عادلة وتطهّر الإدارة من الفساد وتحقّق تقدّماً على طريق الانصهار الوطني … وبين الإرث الذي تَسَلَّمَهُ وفيه تقريباً كل نقائض ما يحلم به العراقيون.
إذا قرئت صورةُ العراق بكل تفاصيلها يمكن معرفة حجم الأثقال التي يحملها الكاظمي على كتفيْه، وإذا قرئت سيرةُ الكاظمي الشخصية بكل تفاصيلها يمكن التيقّن من أن كتفيْه قادرتان على حمْل هذه الاثقال. فما بين الصورة والسيرة علاقة نادرة، وخصوصاً إذا كان القاسم المشترك الرجل نفسه الذي التصق بالناس وحاول إعلاء صوتهم عبر مختلف المنابر السياسية والإعلامية التي تَدَرَّجَ بها، وانتهاءً بقناعاته … “استحالة انتصار دولة أو مجتمع إذا كان الانسان فيهما مكسوراً”.
لا شيء مستحيلاً في عقل الكاظمي، إنما تَجاهُل التحديات التي يعيشها العراق هو المستحيل نفسه. “مروا من هنا” قبله وكانت السلطة هدفاً وغاية، ومن أجل ذلك الهدف انتُهكت كراماتُ الناس واستُبيحت أعراضُهم واغتيل مستقبلُهم ودُمِّرَتْ أحلامُهم، ومن أجل تلك الغاية صارت الأرض ورقةَ تَفاوُضٍ في بازار التسويات إن اهتزّت كرسي السلطة … كانت مساحة العراق جزءاً من مساحة الهوس الديكتاتوري، تنقص وتزيد كلما زاد سطرٌ أو نقص في كتاب “وهم القيادة التاريخية” لهذا الحاكم أو ذاك.
غابتْ الدولةُ في العراق وحضرت الأحزابُ الشمولية والايديولوجية (والديكتاتورية العائلية – الفردية) التي غلبت السلطة على الإنسان والأرض. من صراعِ العسكر الى البعث إلى “داعش”، مروراً بتجارب ما بعد سقوط صدام حسين وانكشاف البلد على الدمار الشامل الحقيقي الذي خلّفه حُكْمُهُ، ومن ثم دخول العراق في وليمة التسويات الاقليمية – الدولية وما تحتاجه من “وجبات” ميليشوية وطائفية تُضْعِفُ الدولةَ وسيادتَها وتُقَلِّصُ مؤسساتها وتجعل إنسانَها بالتالي مُرْتَهَناً في تحصيل حقوقه لـ “مؤسسات الأمر الواقع”.
أَدْرَكَ العراقيون أن البدائل عن حُكْمِ الديكتاتورية لا يمكن أن تشكل دولةً فقط لأنها كانت على الطرف النقيض من ذلك الحُكْم. هذا لا يُعْطي أحداً صكاً على بياض وخصوصاً أن هذا الصك يمكن أن يصرفه أي طرف خارجي إن كان رصيدُ المناعةِ الداخلية ضعيفاً. وأَدْرَكوا أن تَراجُعَ الدولة لمصلحة الميليشيات والتقاسم والمحاصصة لن يُنْتِج سوى الفساد والإفقار في بلدٍ يُعْتَبَرُ، حرفياً، من أغنى دول العالم إن أُحْسِنَتْ إدارةُ مَوارده. وعندما حاولوا التمرّد على هذا الواقع فوجئوا بأن كل القوى التي كانت تشلّ البلدَ بحجةِ الاختلاف والشعارات الكبيرة، تَناسَتْ خلافاتها وتَوَحَّدَتْ في جبهةٍ واحدةٍ ضدّ الناس للحفاظ على مَكاسبها من جهة ومَنْعاً لانتصار خطاب المحتجّين التوحيدي الوطني العابر للطوائف… وَقَفَ الجميع لفظياً مع الحِراك الشعبي فيما قلوبُهم ضمنياً تهلّل لكل قنّاص ملثّم يصطاد مشروعَ حلمٍ بمستقبل العراق.