قال أحد الحكماء عندما يجئ البشر إلى الدنيا فإن أيديهم تكون مطبقة دوما وكأن لسان حالهم يقول: العالم كله ملكى ولسوف أتشبث به ما حييت , وعندما يرحل الإنسان من الدنيا فإن يديه تكون مفتوحة على الدوام وكأنه يقول : ليس لدى شئ أملكه وكل ما أمكننى أخذه من الدنيا هو ذكرياتى والقدوة الحسنة التى جسدتها فى حياتى.
عندما تشعرأن وجودك فى هذه الدنيا هو معجزة إلهية , وأن حياتك هى الهدية العظيمة التى وهبها الله لك, وأنك إنسان فريد , وأن كل لحظة تمر عليك لن تتكرر , وكل ما يحيط من حولك من الخيرات والنعم بدأ من هذا الهواء الذى تتنفسه فى هذه اللحظة, وما يجرى من عجائب داخل جسمك ,وفى أعماق نفسك وخاطرك من العوالم والغوامض التى يصعب تخيلها , وإ ذا شعرت بكل هذا , وأحسست به بوعى ويقظة حقيقية , فستغدو حين ذاك شاكرا عظيما لنعمة وجودك , وستعيش كل لحظة من حياتك وكأنها آخر لحظة,مستمتعا فيها , ومشاركا فى إعمار الكون مع كل كائنات الله , متصالحا مع الموت عندما يحل عليك بلا خوف أو وجل.
أعلن ساحر هندى ذات يوم ما يلى: “عندما يتحتم عليك أن تقوم بأشياء هامة فليكن الموت جالسا دوما بقربك , فإن ذلك سيمنحك ما تحتاجه من قوة وشجاعة”.
إذا تقبلت فكرة الموت وتعايشت مع حقيقة أنه قد ينقض عليك فى أية لحظة , عندها فقط تكون على أتم الإستعداد للحياة .
عش حياتك بالكامل ولكن تصالح مع الموت فالموت جزء من الحياة , وهما وجهان لنفس العملة وكل منهما يكمل الآخر , فالموت مرحلة متطورة من الحياة , وهو رجوع بالإنسان إلى موطنه الأصلى , وإن ما بعد الموت عوالم روحاتية ومتع عظيمة وعليك أن تخبئ لنفسك أشياء سارة نظير عملك فى دنياك لتنعم بها ما بعد الموت .
وفى خريف العمر عندما تنتهى مهمتنا فى الحياة ونبدأ رحلة الرجوع حيث تنتظرنا الأرض لتضمنا إليها , فيجب ألا نبالى للمعارك الشرسة التى تجرى تحت ناظرينا , وعندما نرى أجسادنا التى تتهاوى , وخيبات أملنا من الأصحاب , وتكالب الأبناء على الميراث , علينا أن نلمح كل ذلك وكأننا لا نرى , ونركز بصرنا على الهدف وهو الرجوع إلى الأرض كى نرقد فيها بسكينة وسلام .
ليجدك الموت وأنت تزرع الخضروات فى حديقتك , أو منهمكا فى إصلاح سياج جارك المكسور , أو وأنت تنشد أغنيتك الأثيرة. ليجدك وأنت تعيش اللحظة , لا سارحا فيما مضى ,أو هائما ببصرك فى الفضاء. ليجدك وأنت تكتب رسالة حب أو قصيدة فى الغزل.
وكما قال باولو كويلو : إذا أردتم أن تكتبوا شاهدا على قبرى فإكتبوا ما يلى :”مات بينما كان حيا”.