شد انتباهى تغريدة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعى تحمل اسم وصورة الملياردير الشهير “بيل جيتس” مؤسس شركة “مايكروسوفت” يقول فيها: “لا أريد رؤية أى تغريدة كراهية ضد المسلمين لذبح الحيوانات. مليون حيوان يذبح كل يوم فى كنتاكى وماكدونلدز وبرجركنج لإطعام الأثرياء وتحقيق الأرباح. خلال العيد يضحى المسلمون بالحيوانات لإطعام الفقراء مجانا”.
أعجبنى الكلام لما فيه من إنصاف واضح ومنطق سليم ينم عن استقامة فى التفكير، ولم أستبعد أن يكون بيل جيتس قد قال هذا الكلام، ومع ذلك لم أبادر بنشر التغريدة على صفحتى لأننى لم أستوثق من صحة التغريدة على وجه اليقين، خشية أن أكون قد ساهمت فى ترويج كلام لم يصدر عن الشخص نفسه حتى لو كان كلاما سليما ومنصفا، فى حين لاقت التغريدة ترحيبا كبيرا وملحوظا فى أوساط المستخدمين المسلمين والعرب بوجه عام، كما انتشرت – حسب المراقبين – بشكل واسع بين المستخدمين الغربيين، ولكنهم تساءلوا فى الوقت نفسه: هل قال هذه التغريدة بيل جيتس فعلاً؟.
وقبل أن أشرع فى الكتابة عن هذا الكلام المختصر المفيد سألت بعض الزملاء: هل تم توثيق نسبة هذه التغريدة لمؤسس شركة ميكروسفت، فلم تكن هناك إجابة شافية، فسألت “جوجل” لتأتينى عشرات الإجابات التى تؤكد أنه بالبحث على تويتر عن التغريدة على حساب بيل جيتس الرسمى، لم يكن لها أى أثر، ولم يتحدث بيل جيتس مطلقًا عن الإسلام أو المسلمين. وأظهرت اقتراحات البحث المتعلقة أن الكثيرين بحثوا على حسابه عن التغريدة بالفعل بكلمات مثل “عيد” و”عيد الأضحى”، فلم يجدوا شيئا. وأكد “جوجل” انه باستخدام أداة متخصصة للبحث عن أول من نشر نص التغريدة المنسوبة لبيل جيتس وجد أنها منشورة على حساب يحمل اسم “كردستانى” يوم 10 أغسطس 2019، ونشرت قبلها تغريدة تحمل الفكرة الرئيسية لها بتاريخ 8 أغسطس 2019.
لا شك أن التغريدة مثيرة لكونها جاءت على لسان رجل الأعمال الشهير “بيل جيتس” في وقت يشكو فيه بعض مواطني الولايات المتحدة وقارة أوروبا، من قيام المسلمين بذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى المبارك، فجاء ظهور تلك التغريدة على موقع تويتر، في الوقت المناسب تماما، لتنتشر كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وفي مقدمتها موقع “فيسبوك”، حيث تداول المتابعون بفخر شديد هذه التغريدة دون التثبت من صحة نسبتها لقائلها، ولعلهم أرادوا ترويج المقولة بغض النظر عن قائلها، ربما من منطلق أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها.
ما يهمنى أنا شخصيا فى هذا الموضوع أن المقولة فى حد ذاتها منصفة تماما وترد باختصار وبذكاء شديد على الذين يهاجمون المسلمين كل عام على ذبح الأضاحى الذى هو شعيرة مهمة من شعائر الإسلام ومظهر من أهم مظاهر التكافل الاجتماعى، بتقديم اللحوم من الأغنياء للفقراء، وإحياء لذكرى فداء الشاب إسماعيل عليه السلام من الذبح، الذى رأى أبوه، أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، فى المنام أنه يذبحه فى اختبار صعب للوالد والولد، ولما كانت الطاعة المطلقة لله رب العالمين جاء الفداء من الرحمن الرحيم، ولك أن تتصور من خلال الآيات التالية كيف كان الموقف من الوالد والولد وكيف كان جزاء الإحسان فى تنفيذ الأمر الإلهى الذى تتوقف عنده العقول، يقول الله تعالى فى سورة الصافات: “فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم” (الآياات من 101 إلى 107).