جيهان عبد الرحمن تكتب : الصفح الجميل

الزواج في الريف المصري وعند كثير من الأسر في بلادنا ريف وحضر بات مشكلة حقيقية غلب علية المغالاة والمبالغة في كل شيء وخاصة جهاز العروس, جارتي من أصول ريفية قامت ببيع كل ميراثها لتقوم بتجهيز ابنتها فاشترت لها من كل شيء يخطر علي بال بشر 24 طقم بمعني ترجمة هذا العدد إلي أطقم ملايات ومثلها مفارش وأكواب كريستال مختلفة الأشكال والألوان وأوعية مطبخ.. إلخ حتي بات هناك أزمه حقيقية في توفير المكان الذي يستوعب كل هذا بخلاف الأجهزة الكهربائية وكانت الحجة حتي لا تكون أقل من أقرانها من بنات العم أو الخال, وبعد كل هذا البذخ والمغالة في كل شيء من وجهة نظري وبعد نشوة الفرح وأقل من ثلاثة أشهر زواج يتفاوضون الأن حول إجراءات الطلاق لعدم تفاهم الطرفين.
كتبت إليف شافاق ضمن قواعد العشق الأربعون في كتابها الشهير رواية عن جلال الدين الرومي, في الزواج أشياء أهم بكثير من العاطفة والعشق كالتفاهم والمودة والرحمة وأن أكثر الأشياء الإلهية التي قد يقدم عليها أي زوج هو الصفح أما الحب فهو ثانوي مقارنة بكل هذه الأشياء.
جملة أراها اختصرت أسباب الانفصال في بلادنا بل في كل بقاع الأرض لكل الجنسيات والأعراق والأديان. والمعادلة ببساطة: هل أنت قادر علي الصفح ؟ ولماذا أستمرت زيجات الإباء والأجداد وكانت أمهاتنا أكثر صبرًا, ولم تكن الحياة علي وقتهم بهذا الكم من الرفاهية.
ذاك الصفح وصفة الله تعالي بالجميل وهو يخاطب رسولنا الكريم في قوله تعالي في سورة الحجر وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)أي الصفح الخالي من الأحقاد والأذى الذي لا عتاب فيه ولا لوم ولا غضب, صحيح أن الخطاب هنا للرسول الكريم قبل نزول أيات الجهاد ضد المشركين أي أن هذه الآية قد نسخت بغيرها فيما بعد بالحض علي جهاد المشركين , لكن يظل الصفح جميل وأمرا باقياً ومحمودًا, حتي الهجر أيضا وصفه الله تعالي بالجميل في سورة المزمل وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) فكيف نستعيد هذا الجمال في نفوسنا في كل أحوالنا وعلاقاتنا المختلفة وليس في الزواج والطلاق فقط ؟
عدم القدرة علي الصفح الجميل والهجر الجميل جعل الكثير منا يفقد سلامه الاجتماعي والنفسي وغابت الضحكة الحلوة والابتسامة الرقيقة ونعمة الرضا التي كانت كلمة ومعني حقيقي يطبقه الأهل في الزمن الجميل, لكن للأسف أصبحنا الأعلى عالميا في نسب الطلاق وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الأخيرة بل أن معدلات الطلاق في مصر وصلت أعلي معدلاتها منذ أكثر من نصف قرن وربطت الدراسات الحديثة بين مستوي تعليم الزوجين وبين نسب الطلاق حيث إن حملة الشهادات المتوسطة هم الشريحة الأعلى في الطلاق يليهم من يقرأ ويكتب ثم حملة الشهادات الجامعية وما يعادلها.
وأحسب أن العامل الاقتصادي ليس وحده المسئول عن الطلاق لكن غياب القيم و طغيان المفاهيم المغلوطة عن الحياة, واختلاف أساليب التنشئة والاستسهال وعدم القدرة علي التحمل وأنانية الطرفين وعدم تحمل المسئولية كلها أدت إلي زيادة ظاهرة الطلاق بل والعزوف عن الزواج أصلاً.
في رواية قواعد العشق الأربعون التي ترجمت لأكثر من ثلاثين لغة وأخذت منها مقطع الصفح تتناول عصرين أحدهما في القرن الثالث عشر. م حيث جلال الدين الرومي ومعلمة شمس التبريزي ورحلة الدراويش في معية الله والعشق الإلهي. والزمن المعاصر الذي تحيا فيه بطلة الرواية إيلا روبنشتاين وعائلتها وهي تعيش حياة رتيبة غير سعيدة في زواجها لكنها تحصل علي فرصة عمل لنقد كتاب تكتشف فيه نقاط تماس واضحة بين الزمنين وتخرج منه بقواعد العشق و تتحدث أيضا عن الصبر الذي لا يعني أن تتحمل المصاعب سلبا, بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية, الصبر يعني أن تنظر إلي الشوكة وتري الوردة, أن تنظر إلي الليل وتري الفجر, أما نفاد الصبر فيعني أن تكون قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة, أن عشاق الله لا ينفد صبرهم مطلقا, لأنهم يعرفون أنه لكي يصبح الهلال بدرًا فهو يحتاج إلي وقت.
تري كم من الوقت تحتاجه لتعيد لنفسك توازنها وسلامها وتصل إلي مرتبة الصفح الجميل.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.