ليس للرجل قدرة عجيبة على الخطابة، ولكنه يملك أسرار التمويل الأجنبي، وأنالقدرة التي يمتلكها للتحكم في حركته تقوم على مبدأ المساومة الدائمة، القائمة على مقايضة المال بالموقف السياسي، كشأن إتباع الإخوان استراتيجية الاحتماء بأطراف سياسية فاعلة للتغطية على ملفاتها، وترتيب علاقات مقايضة لحماية أنفسهم وغرفتهم المظلمة، وقد تلقى في انتخابات 2014 ما يقرب من عشرين مليون دولار لتمويل حركته، من جهات أجنبية عبر جمعيات خيرية مشبوهة، بل إن النظامين التركي والقطري مولا الحركة في الانتخابات التشريعية الثلاث الماضية..
هكذ وصف عبدالقدوس الحامي، الناشط السابق في حركة النهضة وأحد سجنائها في تسعينيات القرن الماضي، راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإخوانية ورئيس البرلمان التونسي، التي تبدو صورته في وضع متدن ـ حالياً ـ في ظل العلاقات الملتبسة التي تربطه بالدوائر الإخوانية في العالم وبتنظيمهم الدولي، وضعف فرص بقائه على رأس البرلمان التونسي، خاصة مع تنامي الأصوات المعارضة له، لدرجة مطالبة بعض النواب بضرورة مساءلته أمام مجلس الأمن القومي بتهم (التنسيق لتمرير السلاح التركي عبر تونس لدعم الميليشيات الإرهابية في ليبيا)، بل وصل الأمر إلى مطالبة بعض الأحزاب التونسية، إدراج جماعة الإخوان على قائمة الجماعات الإرهابية، بعد أن تمكنت وزارة الداخلية، في 8 ينايرالماضي، من ضبط مجموعة من الأسلحة تركية الصنع في محافظة مدنين الواقعة على الحدود التونسية الليبية، وخرائط تتعلق بجغرافيا الحدود التونسية الليبية، إضافة إلى مواد متفجرة..
وأوائل شهر مايو الماضي، أجرى الغنوشي تحركات مريبة واتصالات مخالفة للأعراف الدبلوماسية مع أطراف أجنبية، فجرت استياءً عارماً بالبلاد، ودعوات لمساءلته، منها اتصاله بالإخواني الإرهابي خالد المشري، رئيس ما يعرف بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا.. فما هي قصة هذا المشري؟
أثار انطلاق العملية الأوروبية (إيريني) لمراقبة حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا غضب المليشيات المسلحة غربي البلاد وداعميها من تنظيم الإخوان الإرهابي، وسط مخاوف من قطع السبل أمام الدعم التركي القطري للإرهاب في البلد الساحلي الغني بالنفط.. وسعى تنظيم الإخوان الإرهابي، متمثلاً في خالد المشري، للتصدي للالتفاف الشعبي حول القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، وتفويضها بإلغاء العمل بالاتفاق السياسي الذي أنشأ عدداً من الكيانات السياسية غير الدستورية أو المعتمدة من البرلمان، وعلى رأسها مجلسه الاستشاري.. وهذا المجلس، هو مؤسسة تنفيذية وهيئة استشارية أسست عقب توقيع اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر 2015، التي جاءت بحكومة الوفاق غير الدستورية، قبل تنصلها منذ ذلك الحين من الالتزام بالاتفاق،مما دفع المشير خليفة حفتر لإعلان إسقاطه الشهر الماضي..
وترجم المشري تخوفاته من وقف الإمدادات التركية في اتهامات للجيش الليبي والدول العربية بأنها تواصل إرسال السلاح لقتال المليشيات، مع أنه، ومنذ مطلع العام الجاري، ترسل تركيا أسلحة وجنود ومرتزقة لدعم المليشيات الإخوانية التي تسيطر على العاصمة طرابلس مما يؤسس لوجود عسكري أجنبي في البلاد.
ويعرف عن المشري أنه من أكبر عملاء قطر وتركيا، وأحد مُشرعني الغزو التركي للبلاد، من خلال علاقاته الوطيدة بالمليشيات والمخابرات القطرية والتركية على السواء، كما أنه مقرب من مليشيات الزاوية التابعة لتنظيم القاعدة برئاسة أبوعبيدة الزاوي شعبان هدية.. والمشري قيادي بارز في تنظيم الإخوان الإرهابي، ومن مؤسسي حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لإخوان ليبيا، كما تجمعه اتصالات وثيقة مع الإخواني الليبي المقيم في تركيا علي الصلابي، ومفتي الإرهاب الصادق الغرياني..
وقد بدأت علاقته بالتنظيم مبكراً، وشارك في عدة أعمال خاصة بالتنظيم واعتقلته الدولة الليبية بين عامي 1998 و2006، بعد ثبوت تورطه في التآمر على أمن الدولة والتخابر مع جهات أجنبية.. وقد ساعدت علاقاته الواسعة مع المخابرات التركية والقطرية، والمتطرفين الهاربين من السجون عقب أحداث عام 2011، في بروز نجمه السياسي ليبدأ في تنفيذ الأجندة القطرية.
انتخب المشري في عام 2012 لعضوية المؤتمر الوطني العام، الذي سيطر عليه المتطرفون وانتهت ولايته عام 2014، ووصل إلى أن أصبح عضواً في لجنة الأمن القومي، ومقرر اللجنة، ثم رئيساً للجنة المالية.. وقد أحيا الاتفاق السياسي بمدينة الصخيرات المغربية هذا المؤتمر المنتهية ولايته بانتخاب مجلس النواب، وحولته إلى ما يعرف بمجلس الدولة الاستشاري، حيث ظل في عضويته إلى أن أصبح رئيساً له في 4 أبريل 2018..
ومن خلال هذه العلاقات المشبوهة، استطاع في هذه المدة القصيرة التي قضاها خارج أسوار السجن، أن يشغل عدة مناصب مالية كبرى؛ من بينها المدير العام لهيئة الأوقاف وشؤون الزكاة في ليبيا، ومدير إدارة الشؤون الإدارية والمالية بمركز تنمية الصادرات، ورئيس قسم الشؤون المالية بالهيئة العامة للتمليك، ورئيس لجنة المراقبة بالشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات.. وخلال هذه المدة لم يسلم من عدة اتهامات بقضايا فساد، حيث كشفت وثائق مسربة أن المشري استولى على أكثر من 190 مليون دولار من ثروات الشعب، لينفقها كتمويل على تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين في ليبيا.
أثارت هذه الاتهامات الجهات الرقابية في ليبيا التي طالبت بمحاكمته، وأشهر تلك القضايا كانت في يناير2019، حيث طالبت هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا برفع الحصانة عن خالد المشري، للتحقيق في مخالفات وتجاوزات مالية وإدارية.. وأشارت الهيئة في طلبها إلى أن المشري متورط في القضية رقم 10 لسنة 2017، المتعلقة بمخالفات وتجاوزات مالية وإدارية إبان ترؤسه اللجنة المالية بالمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته.. ولم تنقطع زيارات المشري إلى كل من تركيا وقطر، حيث يلتقي مسؤولين كباراً في البلدين لترتيب الحصول على الدعم للمليشيات، إذ التقى، مارس 2019، أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لهذا الغرض.
وعقب انطلاق عملية الجيش الوطني الليبي لتحرير طرابلس، من المليشيات والجماعات الإرهابية 4 أبريل 2019، بأقل من عشرة أيام، هرول المشري إلى تركيا لاستجلاب الدعم للإرهابيين في حكومة السراج.. وتقول تقارير دولية إن المشري هو عراب الاتفاقية الأمنية التي وقعها السراج مع أردوغان والتي أسست للغزو التركي لليبيا، وصفقات السلاح والمرتزقة السوريين.. ويقول موقع (أفريكا إنتليجنس)، المقرب من دوائر الاستخبارات الأوروبية، إن (المشري وقياديين آخرين في حزب العدالة والبناء؛ هما نزار كعوان نائب رئيس حزب العدالة والبناء ورئيس الدائرة السياسية وعبدالرزاق مختار السفير الليبي في تركيا، تورطوا في اختلاسات مالية تُقدر بـ 40 مليون دولار من خلال تدخلهم، عبر بعض الوسطاء، في ملف توريد المعدات العسكرية من تركيا إلى ليبيا)..
وأشارالموقع إلى أن (المخابرات التركية اكتشفت هذه الاختلاسات الضخمة وأجبرت السراج على إقالة السفير الليبي في تركيا عبدالرزاق مختار، وإبعاد المذكورين أعلاه عن ملف التعاون التركي الليبي).
كما أكد الموقع أن شكوك السراج ازدادت بعد ورود معلومات مؤكدة عن قيام مجموعة من قياديي العدالة والبناء، وعلى رأسهم نزار كعوان وخالد المشري والسفير السابق لدى تركيا عبدالرزاق مختار وخالد شكشك، بشراء عمارة سكنية في إسطنبول بقيمة 22 مليون دولار، وحاول المشري استغلال جميع موارد الدولة لصالح التنظيم الإرهابي حزب العدالة والبناء، من خلال استصدار قرارات اعتمادات مستندية للشركات التابعة للحزب..
وفي هذا الصدد، تفجر صراع الصراع بين المشري ومحافظ المصرف المركزي الليبي(الصديق الكبير)، لرفض الأخير منح اعتماد مستندي بقيمة 175 مليون دولار لشركة محسوبة على حزب العدالة والبناء تعتزم بناء مصنع أسمنت في مدينة (زليتن) شرقي طرابلس.
وكان طبيعياً، والحال هكذا، أن يتكتم راشد الغنوشي الفحوى الحقيقي لمكالمته مع المشري، وإدراجها تحت بحث (ضرورة تفعيل مؤسسات المغرب العربي)، مع أن المشري لا علاقة له ببرلمان ليبيا، بل هو عراب للغزو التركي لليبيا، وحافظة الأموال التي تأتي من قطر، لدعم هذا الغزو، بمباركة من رئيس حزب النهضة، صاحب العلاقة القوية مع أردوغان.. وهذا حديث الإسبوع القادم.