تاريخيةٌ هي العلاقة بين إخوان تونس والإرهاب، وجدليةٌ هي مسارات التقاطع بين الجماعات المسلحة وحركة النهضة، منذ نشأتها في بداية سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم، بزعامة راشد الغنوشي.. رؤية واضحة قدمت دليلاً على أن العملية التي راح ضحيتها عنصر من الأمن في محيط السفارة الأمريكية بتونس، مجرد جزء من حلقات إرهابية تديرها حركة النهضة في الخفاء وينفذها انتحاريون صغار.. وغالباً ما تتجه الاتهامات إلى راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإخوانية في تونس باعتباره محركاً للدمى الانتحارية خدمة لأجنداته الإقليمية.. أما علاقة زعيم إخوان تونس بالاغتيالات السياسية والضربات الإرهابية، فقد كشفت عنها هيئة المحامين المكلفة بالبحث في حقائق اغتيال القياديين اليساري شكري بلعيد والقومي محمد البراهمي سنة 2013.
ويرى حزبيون تونسيون أن الإرهاب في بلادهم وليد الدعم الإخواني منذ 2011، لأن الأفكار التكفيرية التي زرعتها منظومة الإسلام السياسي دفعت بآلاف الشباب إلى تبني الفكر المتطرف والانخراط في معسكرات التدريب الإرهابية بليبيا وسوريا، بعد أن ضرب حكم الإخوان القواعد والأسس التاريخية للدولة المدنية، والمتمثلة أساساً في التعليم العصري وتعويضه بمدارس قرآنية خارجة عن المراقبة الرسمية، فهذه المدارس عبارة عن ورش لتفريخ الفكر التكفيري المتحجر من أجل تغيير نمط حياة المجتمع، وقد كشفت السلطات الأمنية التونسية عن وجود مدرسة قرآنية بمنطقة (الرقاب) من محافظة سيدي بوزيد، مهمتها إعداد جيل من (الجهاديين) للالتحاق بالجماعات المسلحة المتمركزة في الجبال الغربية للبلاد.
ومنذ أن عرفت تونس الإرهاب بوجهه القبيح، كانت حركة النهضة الإخوانية وزعيمها راشد الغنوشي، أول جهة تتبادر إلى الأذهان، فقد ارتبط وجودها بالتطرف والأعمال التخريبية الدموية في العقل الجمعي التونسي، بل إن البعض حمّل الغنوشي المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن جميع الضربات الإرهابية التي تعرضت لها تونس منذ 2011.. يكف عن ذلك، علاقته بزعيم تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي سيف الله بن حسين (المعروف بأبي عياض)، الذي دعاه في فيديو شهير تم تسريبه بضرورة اختراق أجهزة الأمن والجيش التونسي، ولا يخفىأن تنظيم أنصار الشريعة هو الحديقة الخلفية للغنوشي، وخزانه الاحتياطي لإدارة اللعبة الإرهابية؛ بل الجناح المسلح للإخوان الذي ارتكب جرائم إرهابية في هذا البلد، تجاوز عدد ضحاياها 700 شخص، من جنود وأمنيين ومدنيين، منذ عام 2012.
ولم يمنع تصنيف (أنصار الشريعة) تنظيماً إرهابياً من قِبل السلطات التونسية مواصلة العلاقات السرية بينه وبين قيادات من حركة النهضة، بل إن مصادر أمنية تونسية أكدت أن ذروة الضربات الإرهابية كانت في أعوام 2012 و2013 و2014، وهي الفترة التي ترأست فيها حركة النهضة حكومتي علي العريض وحمادي الجبالي.. وفي مطلع فبراير الماضي، أثبتت هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي (أكثر من مائة محامٍ)، علاقة الغنوشي الخاصة بأحد منفذي جريمة اغتيال بلعيد في 2013، ولا يختلف المراقبون على أن الغنوشي بات الشخصية الأكثر رفضاً من قبل التونسيين، حسب استطلاعات رأي أجرتها شركة (سيجما كونساي)، مؤخراً؛ حيث لا يثق 68% من أبناء هذا البلد في خطابه وتوجهاته.. ليس هذا فحسب؛ بل إن المعارضة اليسارية والديمقراطية في تونس ترى أن الغنوشي (مًخرب) لاقتصاد البلاد وأمنها، ومُدافعاً بكل ثقله حتى يصبح التطرف سلوكاً يومياً في المجتمع.. ويستقر الرأي العام في تونس على أن الإرهابيين الذين نفذوا(عملية سوسة سنة 2015) و(عملية جندوبة 2014) و(عملية الحبيب بورقيبة 2018)، هم نتاح للاستقطاب الإخواني، وثمرة غير صالحة لمنظومة التخريب التي أرست حركة النهضة قواعدها.
النيابة التونسية فتحت مؤخراً تحقيقاً موسعاً ضد قيادات منتمين لحركة النهضة الإخوانية وشخصيتين أمنيتين سابقتين، فيما يعرف بقضية الجهاز السري، حيث تتهم حركة النهضة بسرقة وثائق خاصة تدين الجهاز السري لإخوان تونس، وتورطه في عمليات التصفية الجسدية لخصومها وكل من يحمل فكراً مخالفاً للإخوان.. هذه الوثائق تكشف مكان إخفاء الأسلحة التي تم استعمالها في عمليتي اغتيال بلعيد والبراهمي سنة 2013، وهو أحد الشواطئ على السواحل الشرقية لتونس، وأن عملية البحث استمرت أربعة أيام وتم توثيقها من قبل فرق من الغطاسين من البحرية التونسية، إلا أن هذه الفيديوهات والوثائق التي تثبت تورط حركة النهضة في عملية الاغتيال تمت سرقتها.. وسبق أن كشفت هيئة الدفاع في هذه القضية، أوائل 2019، عن العلاقة المشبوهة عن العلاقة السرية بين فرعي الإخوان في تونس ومصر عام 2012، لتبادل أجهزة تنصت،وعمليات التنسيق الثنائية للقيام باغتيالات سياسية في البلدين، مؤكدة أن الغنوشي هو رئيس التنظيم السري للإخوان في البلاد.
ومع أن الدستور التونسي يقضي بتجريم كل ألوان التكفير، حيث جاء في فصله السادس أن (الدولة تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف والتصدي لها)، إلا أن جماعة الإخوان الإرهابية في تونس تسعى إلى تشريع (التكفير) في البرلمان، في خطوة اعتبرتها المعارضة ذريعة من التنظيم لتصفية خصومه، وإشاعة لأجواء تحريضية يريد الإخوان فرضها الترهيب كل صوت معارض للجماعة، في وقت يتنامى فيه الخطاب العدائي من بعض أئمة المساجد التابعين لحركة النهضة، لعله يكون تمكيناً للإسلام السياسي من أجهزة الدولة، عبر الخطاب المتشدد الذي يهدد المجتمع ومسار التحديث السياسي في البلاد، غير مبالين بأن مزج الدين في السياسة هو تأسيس لديكتاتورية دينية، تؤسس لفلسفة القتل على أساس الاختلاف، وتزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد،ويعتبر خطوة لإدخال البلاد في العنف والدماء.
لم يتوقف عنف الإخوان، منذ ظهورهم على المشهد السياسي في تونس، عن ترهيب خصومهم فقط، بل امتدت للتهديد المباشرة والمبطن للإعلام عبر وسائل متنوعة، الأمر الذي أثار المخاوف من وقوع عمليات اغتيال جديدة لقادة الفكر المخالف لتوجهاتهم.. فاتجاه مدافع خطاب الإخوان المتطرف في تونس هذه الأيام ناحية وسائل الإعلام التي لا تسير في ركابها، دفع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين (مستقلة) والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (حكومية)، للتحذير من مخاطر تلك التهديدات، خاصة أنها تشابه نفس الخطاب التحريضي الذي سبق اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد عام 2013، ونفس الشحنات التكفيرية التي أطلقتها الإخوان،تعيد نفسها هذه الأيام ضد مجموعة من الإعلاميين والمفكرين والنقابيين، منها ـ على سبيل المثال ـ تهديدات القتل وصلت الكاتبة ألفة يوسف صاحبة كتاب (حيرة مسلمة)، وأستاذ العلوم السياسية حمادي الرديسي، الذي ألف كتاب (الاستثناء الإسلامي)، وغيرهم من الإعلاميين الذين لا ينتمون، لا إلى الإخوان ولا الدوائر المقربة من النهضة.. ودعت الهيئة رئاسة الجمهورية ومجلس نواب الشعب إلى الالتزام بحماية حرية الإعلام والصحفيين، بعد حملات التحريض التي تستهدف المشهد الإعلامي في تونس.. وأصدرت الهيئة بياناً جاء فيه:
(إن حملات التحريض تزايدت مؤخراً وتحولت لخطابات كراهية وتحريض على العنف ضد الصحفيين، ومؤسساتهم، ومختلف الهياكل المنظمة للقطاع).. والأخطر، بحسب البيان، أن خطابات الكراهية تصدر عن نواب في مجلس الشعب، في إشارة إلى نواب ائتلاف الكرامة القريب من حركة (النهضة) الإخوانية.. حملات التحريض ممنهجة وتمثل انحرافاً عن المهام الأساسية للبرلمان، المتمثلة في تكريس قيم الجمهورية المدنية الديمقراطية، وعلى رأسها حرية الإعلام.
في نفس الوقت، أقامت قيادات داخل حركة النهضة دعاوى قضائية ضد صحفيين، على خلفية الفيلم الوثائقي (غرف سوداء.. عودة التنظيم السري لحركة النهضة)، الذي فضح تورط الإخوان في تصفية خصومهمالسياسيين، الذي عرض في شهر يونيو 2019 ملابسات تورط 26 قيادياً في حركة النهضة في الاغتيالات السياسية، التي راح ضحيتها القيادي اليساري شكري بلعيد والقيادي القومي محمد البراهمي.. كما ربط الفيلم بين النهضة وعلاقتها بإخوان مصر، من خلال التخطيط لتصفية خصوم سياسيين في زمن حكم الترويكا الإخوانية (2011 ـ 2014).. فيلم وثائقي تطرق لموضوع متداول في تونس، ويمثل مادة صحفية احترمت الحرفية المطلوبة، لكن صانعوه لم يسلموا من الأذى الإخواني.
ولم تتوقف عجلة إرهاب النهضة عند إدارة حملات التحريض ضد الإعلاميين والصحفيين فقط، ولكنهاوصلت إلى الطلبة ذوي التوجه اليساري، حيث بدأت حوادث العنف الإخواني تغزو الجامعة التونسية، منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية.. حتى الرئيس قيس بن سعيد، لم يسلم من مناكفاتالحركة له،بمحاولتها السيطرة على التشكيل الجديدللمحكمة الدستورية، لعرقلة عملهوسيطرتهم على صياغة المسائل الدستورية.. وهو حديث الإسبوع القادم.