هى مصر دائما التى ترفض اليأس وتتمسك بالأمل, ترفض الاستسلام لواقع سيئ, ترفض أن يسرق أحد تاريخها أو مستقبلها, ترفض أن تكون لغير المصريين, ترفض أن تكون يوما ما تابعة ذليلة وتصر أن تبقى شامخة أبية, دائما هى من تختار من يحكمها, هى من تتحدى كل الصعاب وتقاوم كل التحديات والمؤامرات وتسقط كل المخططات والدسائس, هى مصر التى سبقت الدنيا كلها إلى العلم والحضارة وإلى العمل والتشييد والاستقرار, لم تفلح كل المخططات فى كسر إرادتها من الهكسوس إلى الانجليز مرورا بالعثمانيين وانتهاءا بالصهاينة كما لم تفلح أى قوة فى فرض إملاءات عليها أو طمس هويتها.
على مر الزمان تعشق مصر موال النهار تعشق النور والوضوح, تحكمها قيم ومبادئ, تسعى للبناء والتنمية, تعزز دائما من أواصر المحبةوالإيخاء والمساواة, تؤمن بحق الآخرين فى الحياة, أمة أبهر ت الإنسانية بما قدمته لها فى جميع فروع العلم والمعرفة وفى مختلف مناحى الحياة, قاومت الغزاة على مر العصور, لم تتأثر ثقافتها بثقافاتهم بل احتفظت بهويتها وتراثها ولغتها وقيمها عكس العديد من الدول التى صهرها الاستعمار وطمس هويتها, ليست كغيرها لم تستول على ماليس لها ولم تأخذ حقا ليس من حقوقها, تبقى أبدا أبية صلبة لاتقبل الخنوع أو الاستسلام ولاتثنيها مخططات الآخرين ومؤامراتهم عن المضى في طريقها إلى ما تصبو إليه .
كل ليل مر بمصر كان له نهار يجدد الأمل ويطلق الطاقات والقدرات ويبدد ما ترسب من أثار سيئةويزيل ما ترسخ من وهن وأفكار فاسدة ويعيد لها رونقها وبهاءها, فى هذا الإطار جاء نهار 30 يونيو 2013 الذى نحتفل بذكراه السابعة هذه الأيام ليثبت هذا المعنى ويزيده رسوخا, ليؤكد أن مصر تسير فى المسار الصحيح دائما لايبعدها عنه أحد قادرة على الحفاظ على هويتها, جاء 30 يونيو كإمتداد طبيعى لأيام مصر الكبار, فمصر التى انطلقت عن بكرة أبيها بتلقائية وعفوية هى نفسها التى خرجت فى عفوية وتلقائية ـ طلبة وعمال وسياسيون رجال ونساء ـ فى مختلف أنحاء القاهرة والاسكندرية فى التاسع من مارس عام 1919 رافضين ممارسات الاحتلال حتى كان لهم ما أرادوا بإقرار دستور 1923 وتشكيل البرلمان .
وهى نفسها مصر التى خرجت إلى الشوارع والميادين مؤيدة نفرا من أبنائها من رجال جيشها الأبى الذى رفض هيمنة الانجليز على البلد وحكم الملك وأعوانه وسيطرة الإقطاع الفاسد على مقدرات المصريين, وهى نفسها التى هبت بعد نكسة يونيو 1967 وخرجت إلى الشوارع فى مظاهرات تتمسك بالقيادة السياسية ترفض الهذيمة وتطالب بالحرب والثأر,وهى ذاتها التى خرجت فى 30 يونيو 2013 ترفض حكم الإخوان وتطالب بحكم رشيد رافضة أن تحكمها جماعة ضالة لاتؤمن بفكرة الدولة, رافضة كل مخططات الهيمنةوالتبعية, خرجت مصر عن بكرة أبيها فى 30 يونيو ـ كل فئات الشعب وطوائفه وتياراته السياسية ـ رافضة أن يختطفها أحد فى غفلة من الزمن.
“تحلم بالسنابل والكيزان, تحلم ببكرة واللى حيجيبه معاه, تنده عليه فى الضلمة وبتسمع نداه, تصحى له من قبل الأدان, تروح تقابله فى الغيطان, فى المتاجر والمصانع والمدارس والساحات, طالعه له صحبة جنود, طالعه له رجال أطفال بنات, كل الدروب واخده بلدنا للنهار, واحنا بلدنا ليل نهار بتحب موال النهار, لما يعدى فى الدروب ويغنى قدام كل دار”.. صورة رائعة بمفردات صادقة خرجت من قلب الخال الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى فى رائعته “عدى النهار” وغناها خالد الذكر العندليب عبد الحليم حافظ, عبرت عما يجيش فى صدر كل مصرى بعد هذيمة يونيو, تؤكد على عزم المصريين على محو عار الهذيمة, كلمات رسمت صورة لشعب أبى ثار عن بكرة أبيه رافضا الاستسلام والخنوع حتى كان له ما أراد خلال حرب الاستنذاف ثم حرب أكتوير المجيده التى سطر خلالها المصريون بحروف من نور واحدا من أعظم الانتصارات فى التاريخ .
الصورة ذاتها كما رسمها الأبنودى وسجلها العندليب بصوته هى نفسها وبكل تفاصيلها عاشتها مصر قبل وأثناء وبعد 30 يونيو 2013 , صورة لشعب أبى أبهر العالم عبر كل العصور والمراحل, شعب يحلم بالحياة والحرية يرفض الخنوع والاستسلام, توحد مع مؤسساته بكل طوائفه وفئاته, شبابه وشيوخه ونسائه, طلابه وعماله ومثقفوه, شكلوا ائتلافات ثورية وسياسية خرجوا إلى الشوارع والميادين مطالبين عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع فى هذا الوقت بالتدخل رافضين حكم الإخوان, فى مشهد واحد يتكرر دائما يطالب بتخطى الهذيمة والانكسار إلى الانتصار والعزة والكرامة, وتخطى اليأس والإحباط إلى الأمل والحياة, حتى كان للمصريين ما خرجوا من أجله فى 30 يونيو 2013 وهذه الصورة لمصر الحديثة بعد 7 سنوات من ثورة يونيو وهذه الإنجازات التى تحققت فى مختلف مناحى الحياة بها خير دليل على ذلك .
“سيتوقف التاريخ كثيرا أمام ثورة يونيو وستظل حية فى ذاكرة كل الأجيال بما رسخته من مبادئ العزة والكرامة والوطنية والحفاظ على هوية مصر الأصيلة من الاختطاف,مصر أمة صنعت التاريخ ومازلت تصنعه فى شتى المياديين وتلهم الانسانية بما تحققه وأجدد العهد على المضى فى معركتنا الشريفة فى العمل والبناء ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية بنفس العذيمة والاصرار”.. صدقت يا سيادة الرئيس ونثق في وطنيتك وإخلاصك وقدرتك على الوفاء بالعهد .