لواء د. سمير فرج يكتب :  الدفاع والأمن القومي المصري في 6 سنوات من حكم الرئيس السيسي

اللواء دكتور سمير فرج
مرت 6 سنوات من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي في تاريخ مصر الحديث تعرضت مصر للكثير من الأحداث والمواقف المؤثرة علي الأمن القومي المصري بداية من الإرهاب وتجميد عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي لذا كانت أول زيارة للرئيس السيسي فور توليه رئاسة البلاد هو حضور مؤتمر القمة الأفريقي وبعدها عادت مصر لأفريقيا وعادت أفريقيا لمصر… بل وأصبحت مصر رئيساً للاتحاد الأفريقي وقدمت خلالها العديد من المشروعات والأفكار والمفاهيم للدول الأفريقية وكان الرئيس السيسي من أكثر رؤساء الاتحاد الأفريقي في تاريخه الذي مثل أفريقيا في جميع المحافل الدولية وليحصل لأفريقيا علي العديد من الامتيازات علي المستوي العالمي وفي مجال القضاء علي الإرهاب كانت سيناء فور تولي الرئيس السيسي مركز للإرهاب الإسلامي المتطرف حيث تجمع المئات من المتطرفين من كل مكان استغلوا الأنفاق التي تم إنشاؤها في عصر الإخوان المسلمين وتركزت في البداية العمليات الإرهابية في مثلث رفح العريش الشيخ زويد لذلك أصبح تأمين سيناء والقضاء علي الإرهابيين مطلباً استراتيجياً للأمن القومي المصري والتي كانت أولي التحديات أمام الرئيس السيسي في بداية المشوار.
ولقد اتخذت القوات المسلحة العديد من الإجراءات كان من أهمها إنشاء قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، وأصبحت من الناحية العسكرية تسيطر على جميع القوات والعناصر المخصصة لتأمين سيناء ضد أية عمليات إرهابية، أن من الناحية العسكرية قد حقق كافة المطالب والأهداف العسكرية حيث توحدت عمليات التخطيط والقيادة والسيطرة حيث نفذت مصر خلال هذه الفترة عمليات عسكرية عديدة ضد العناصر الإرهابية في سيناء، كان أولها عملية “نسر 1” في 12 أغسطس 2011، ثم عملية “نسر 2” في 5 أغسطس 2012، ثم عملية “حق الشهيد” في سبتمبر 2015، ثم العملية الكبرى “سيناء 2018” التي بدأت في فبراير 2018 واستمرت عاماً كاملاً، حققت القضاء علي معظم العناصر الإرهابية وأماكن تمركز في سيناء.
وعلى الجانب الآخر، كانت استراتيجية الرئيس السيسي أن تأمين سيناء علاوة علي العمل العسكري ضد عناصر الإرهاب، يجب أن يدعمه التأمين من خلال التنمية لذلك كان قرار الرئيس أولاً ضرورة ربط سيناء بالوطن الأم وأعنى دلتا نهر النيل من خلال خمس أنفاق وكباري وعودة خط سكة حديد مصر-العريش وكانت هذه بداية التنمية، تطوير البنية الأساسية، التي كلفت300 مليار جنية، نفذتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وبذلك أصبحت سيناء جزءاً من الوطن الأم، وكما يقال إن الطرق والمحاور هي شرايين الحياة، فلقد أضافت هذه الأنفاق والكباري شرايين حياه للتنمية داخل سيناء كذلك تم إنشاء مطار البردويل الجديد.. في مجال عمليات التنمية تم تنفيذ العديد من المشروعات ، ومنها إنشاء خمسة عشر مصنعاً للرخام و إعادة استغلال بحيرة البردويل لتصدير كل إنتاجها للخارج، حيث تم تطهير البوغاز، وإزالة التعديات، والمزارع السمكية، وإنشاء مصنع تعليب للأسماك، ومصنع لقوارب الصيد.. كذلك تم تطوير ميناء العريش ليصبح قادر علي تصدير كل منتجات شمال سيناء، وإنشاء 3 مدن جديدة شرق الإسماعيلية، والسويس، وبورسعيد، كذلك استصلاح وزراعة 400 ألف فدان شرق قناة السويس والاستفادة من مياه مصرف بحر البقر، وفي مجال التنمية البشرية، حيث يسكن سيناء البدو الرحل خارج المدن الرئيسية وهؤلاء البدو كان لهم دور لمساعدة القوات المصرية خلال حروب الاستنزاف وحرب أكتوبر 73 ضد العدو الإسرائيلي.
حيث عانت مجموعات البدو الكثير من عنف القوات الإسرائيلية خلال هذه الفترة، وعندما عادت سيناء إلي أحضان الوطن الأم، كان ضرورياً تعويض هؤلاء البدو عن سنوات الحرمان الطويلة وسوء المعاملة من الجانب الإسرائيلي… ومن هذا المنطلق قامت الدولة ببناء مجموعة من المساكن ذات الطابع البدوي ومدرسة فصل واحد و مسجد لكل مجموعة من العناصر البدوية في كل منطقة وفي مكان متوسط لهذه القبائل، وبعد أن تولي اللواء عبدالفتاح السيسي رئاسة المخابرات الحربية وأصبح مسؤولاً عن سيناء، قرر ضرورة ربط بدو سيناء بالمياه ولذلك كانت أوامره بالبدء في حفر آبار المياه في سيناء، ويتم البناء حول مصادر المياه لتكوين تجمعات حضارية لبدو سيناء .
وفي الفترة الماضية تم افتتاح المرحلة الثانية لقرية الجدي النموذجية التي تضم 70 منزلاً بدوياً متكاملاً، ووحدة صحية ومركزاً للشباب ومسجداً ومدرسة و بئر مياه عميقة ومحطة لتحلية المياه ومنطقة للزراعات المكشوفة، وتم اطلاق أسماء شهداء سيناء علي كل منشآت هذه القرية، وأصبح ذلك يمثل الخطوة الأولي لتوطين بدو سيناء، وأصبح المواطن البدوي السيناوي مرتبطاً بالأرض حيث توجد المياه والأرض الصالحة للزراعة.. وأعتقد أن توفير هذا النمط الجديد من الحياة للبدو بوجود أرض صالحة للزراعة والمياه سوف يحول حياتهم من الرعي إلى الزراعة مستفيدين من خصوبة التربة هناك، وصلاحية أرض سيناء لإنتاج محصولات تشتهر بها هذه المنطقة.
وبعد ذلك هناك المدرسة التي سوف تقدم العلم لأبنائهم، مما سيكفل لهم فرص الالتحاق بالجامعات المصرية لنجد من أبناء بدو سيناء المدرس، والضابط، والطبيب والمهندس، وكل عناصر المجتمع المصري، وهذا يعني أن يصبح بدو سيناء جزءاً من نسيج هذا المجتمع بعد أن كان ذلك في الماضي درباً من دروب الخيال، وهو الأمر الذي طالبنا به دائماً، ويكون الانتماء لهم مع مصر جزءاً من الحياة المصرية، وهكذا تمضي مصر في خطوة تنمية سيناء من اتجاه تنمية البشر، وكما يقال دائماً أن تنمية البشر أهم من تنمية الحجر.
ولعل من أهم القرارات العسكرية التي أتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة هو تنويع مصادر السلاح ذلك الأمر الذي اسعد العديد من رجال القوات المسلحة لذلك دعم القوات بأحدث الأسلحة من الترسانة العسكرية للدول الكبرى ولكي نؤكد علي صدق ما نقوله حول تطوير قدرات القوات المسلحة المصرية حيث عرضت مؤسسة جلوبال فاير باور Global Fire Power العالمية، المتخصصة في تقييم، وتصنيف، القوى العسكرية، حول العالم، في تقريرها السنوي، لعام 2014، حيث جاء تصنيف مصر عندما تولي الرئيس السيسي رئاسة البلاد كانت مصر في الترتيب الثالث عشر عالمياً، بينما تركيا في المركز الثامن، وإسرائيل في المركز الحادي عشر، وبعد 6 سنوات أصدرت المؤسسة تقريرها عام 2020 والذي احتلت فيه القوات المسلحة المصرية المركز التاسع، عالمياً، من بين 138 دولة، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، التي تصنف قواتها المسلحة كأقوى القوات العسكرية في العالم، تليها روسيا في المركز الثاني، ثم الصين في المركز الثالث، والهند في المركز الرابع، واليابان في المركز الخامس، تليهم كوريا الجنوبية في المركز السادس، ثم فرنسا في المركز السابع، وبعدها إنجلترا في المركز الثامن، ثم مصر في المركز التاسع، يليها البرازيل في المركز العاشر، ثم يعقبها، بالترتيب، حتى المركز العشرين، تركيا في المركز الحادي عشر، ثم إيطاليا، وألمانيا، وإيران، وباكستان، وإندونيسيا، والسعودية في المركز السابع عشر، ثم إسرائيل، وأستراليا، وإسبانيا في المركز العشرين على مستوى العالم حيث اشترت مصر حاملات الطائرات الميسترال، والمقاتلة الرافال من فرنسا، وعدد 4 غواصات من المانيا، والطائرة الميج 29 من روسيا، والطائرات الدرونز بدون طيار من الصين، وغيرها من الصفقات.
وبنظرة تحليلية، سريعة، لترتيب دول الشرق الأوسط، سواء إقليمياً أو عالمياً، نلاحظ خروج إيران من ترتيب أقوى عشر قوات، بعدما كانت من أقوى عشر قوات مسلحة على مستوى العالم، في عهد شاه إيران، وهو ما يرجع إلى اعتماد نظام الحكم الديني بها، مع بداية عصر الخوميني، على الحرس الثوري بديلاً عن القوات المسلحة، لعلم النظام بولاء الجيوش، دائماً، إلى الدولة، بينما أسسوا حرسهم الثوري ليكون ولاءه، دائماً، للإمام، فعملوا على إضعاف الجيش الإيراني لحسابه وهكذا أصبح الجيش المصري أقوي قوة عسكرية في المنطقة.
ولقد كان أخطر التحديات التي تهدد الأمن القومي المصري خلال هذه الفترة هي تلك التهديدات التي لأول مرة تهدد مصر من الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة،.. نبدأ بالاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي أو كما يعرف “بالاتجاه السيناوي” هو الاتجاه الأول ومنذ قديم الأزل كان هو بوابة التهديدات الرئيسية لمصر منذ عصر الفراعنة حينما هاجم الهكسوس مصر وبعدها توالت الهجمات علي مصر من هذا الاتجاه من التتار والحروب الصليبية وأخيراً الحروب الإسرائيلية الثلاثة. العدوان الثلاثي وحرب 67 وحرب 73..
أما الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الغربي ويقصد به “الاتجاه الليبي” وهذا الاتجاه لم تتعرض مصر منه لأية حملات معادية إلا في الحرب العالمية الثانية عندما هاجمت القوات الألمانية والإيطالية بقيادة روميل كان هدفها هو القوات البريطانية في مصر لذلك ظل هذا الاتجاه مؤمناً طوال التاريخ المصري القديم والحديث.
أما الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي ويقصد به “السودان حتى منابع نهر النيل والبحر الأحمر” فهو أيضا لم يحدث أن تعرضت مصر لأية تهديدات في تاريخها القديم والحديث… أما الاتجاه الاستراتيجي الشمالي ويقصد به “اتجاه البحر المتوسط” ولم يحدث أن تعرضت مصر منه لأية تهديدات أو غزوات عدا الحملة الفرنسية بقيادة نابليون والحملة الإنجليزية على مصر ومن بعدها كان ذلك الاتجاه آمنا تماما..
وفجأة وجدت مصر في هذه الأيام هذه الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة تهدد أمنها القومي في وقت واحد فالاتجاه الشمالي الشرقي السيناوي مازال يهدد أمن مصر وخاصة الإرهاب الذي أصبح المنفذ الرئيسي لمصر ، أما الاتجاه الغربي الليبي فإن تدخل تركيا الآن وتدعيمها قوات فايز السراج في طرابلس وتوقيعها الاتفاقية الأمنية وترسيم الحدود البحرية بينها وبين ليبيا قد قلب موازين الصراع في ليبيا وأصبح تهديداً للأمن القومي المباشر، حيث هدفت تركيا إلي إعادة السيطرة علي المغرب العربي لتستعيد حلم الإمبراطورية العثمانية، أما الهدف الرئيسي فهو بترول ليبيا من خلال الاستيلاء علي منطقة الهلال النفطي بعد مدينة سرت ثم التنقيب عن الغاز أمام السواحل الليبية حيث تعمل الآن الحفارات التركية بإذن من فايز السراج، أما في الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي فإن مماطلة إثيوبيا في حل مشكلة مياه نهر النيل وبناء سد النهضة، إلا أنه مازال هناك الأمل في الوصول إلي حل نهائي يرضي جميع الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا وكذلك جاءت سيطرة الحوثيين (ايران) علي باب المندب المدخل الرئيسي الي قناة السويس ليهدد قناة السويس التي تدر ثلث الدخل القومي المصري.
أما الاتجاه الاستراتيجي الشمالي في البحر المتوسط فلقد أصبح أكثر الاتجاهات تهديدا بعد اكتشافات الغاز الطبيعي في المنطقة وأصبح لزاماً على مصر تواجد قوة عسكرية تؤمن هذه الاستثمارات.. لذلك كان إنشاء قيادة الاسطول البحري الشمالي في البحر المتوسط وإنشاء الاسطول البحري الجنوبي في البحر الأحمر لتغطية هذه الاتجاهات، كذلك تم إنشاء أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، قاعدة محمد نجيب العسكرية وقاعدة برنيس العسكرية علي البحر الأحمر، وهكذا وجدت مصر اتجاهاتها الاستراتيجية الأربعة مهددة في وقت واحد علاوة على مكافحة الإرهاب وفيروس كورونا وأخيرا الاستمرار في تحقيق الخطة الاقتصادية الجديدة وأمام كل ذلك فإن مصر قادرة بشعبها وقواتها المسلحة ورئيسها العظيم علي تخطي كل هذه العقبات وبإذن الله سننتصر كما انتصرنا من قبل من أجل حياة كريمة لشعب مصر العظيم.
ومن القرارات التي سيذكرها تاريخ مصر الحديث هو قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص وإسرائيل حيث قدمت في مقال سابق في يناير 2016 منذ أربع سنوات أن هناك وثيقة أمريكية تتحدث لأول مرة عن غاز شرق المتوسط وأكدت هذه الوثيقة أن مصر تطفو فوق بحيرة من البترول، والغاز الطبيعي، في شمال شرق الدلتا، والبحر المتوسط، ومؤكدة أنها ستحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في عام 2018، وستبدأ في تصدير الفائض بحلول عام 2020، في ظل تزايد الاكتشافات البترولية، بفضل نجاح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في ترسيم الحدود البحرية، مع الدول المجاورة … وهو ما تحقق، بالفعل، وكأن الوثيقة الأمريكية، تقرأ الطالع.
والحقيقة أن الوثيقة الأمريكية اعتمدت على دراسات وافية، لعدة أبعاد، منها الجيولوجي الذي أكد على امتلاك مصر لأكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، في هذه المنطقة، الواقعة بين مصر وغزة وإسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص، والتي يطلق عليها “شرق المتوسط”، فكان هذا الظهور الأول لذلك لمصطلح الجيوسياسي الجديد. وأشارت الوثيقة، في هذا الصدد، إلى أن القرارات التي اتخذها الرئيس السيسي، حينها، بدعم القوات المسلحة المصرية، ورفع كفاءة قواتها، خاصة البحرية، استهدفت التأمين، المستقبلي، لهذه الثروة الطبيعية الجديدة.
فور ترسيم الحدود البحرية، ساد المنطقة حراك سلمي، بقيادة مصر، على كافة الأصعدة؛ فتم الإعلان عن التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان، وكانت آخر قمة بين الدول الثلاث، قد عقدت عام 2018، في الإسكندرية، في إطار فاعليات أسبوع إحياء الجذور، الذي استضافت، خلاله، مصر عدداً من العائلات القبرصية، واليونانية، التي عاشت في مصر في السابق. كما نجحت إسرائيل في استخراج الغاز الطبيعي من حقلي “ليفياثان، “وتمار”، في منطقة شرق المتوسط، محققة اكتفاء ذاتياً، بعدما كانت تستورد الغاز الطبيعي من مصر حتى عام 2011، بل وحققت فائض إنتاج، للتصدير إلى أوروبا، بعد معالجته في مراكز الإسالة المصرية، وإعادة تصديره إلى أوروبا، لتصبح مصر، بذلك، مركزاً، إقليمياً، للطاقة والغاز.
كما نجحت مصر، في يناير 2019، في تأسيس “منتدى غاز شرق المتوسط”، الذي يضم في عضويته، إضافة إلى مصر، كل من اليونان، وقبرص، وإيطاليا، والأردن، وفلسطين، وإسرائيل، كمنظمة دولية، تهدف لاحترام حقوق الأعضاء بشأن مواردهم الطبيعية، وبما يتفق مع مبادئ القانون الدولي. وقد عقد المنتدى، اجتماعه الوزاري الثالث، في القاهرة، في الشهر الماضي، بحضور مؤسسيه السبعة، وبحضور ممثلين عن الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وخلاله، طلبت فرنسا الانضمام، رسمياً، لعضوية المنتدى، كما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية، الانضمام كمراقب بصفة دائمة.
وفجأة وجدت تركيا نفسها بعيدة عن غاز، وبترول، شرق المتوسط، بموجب جميع الدراسات الجيولوجية الدولية، التي أكدت أن “منطقة شرق المتوسط” لا تشملها، فبدأ أردوغان التحرش بقبرص، بإرسال سفنه للتنقيب عن الغاز أمام سواحل قبرص التركية، ومصدراً قراره بمنع التنقيب أمام سواحل قبرص، لنزاعه الحدودي معها، مما دعا إيطاليا لإرسال مدمرات بحرية لحراسة وتأمين استثمارات شركة ايني الإيطالية، المسئولة عن التنقيب أمام السواحل القبرصية، كما فرض الاتحاد الأوروبي، الذي تعد قبرص أحد أعضائه عدة عقوبات على تركيا، مما اضطر أردوغان لوقف ممارساته ضد قبرص، لتجنب زيادة العقوبات الأوروبية، في ظل ما يعانيه اقتصاد بلاده من تدهور شديد.
لم يهدأ أردوغان، بل بحث عن طرق أكثر التواء، مستغلاً الخلاف السياسي بين حكومة الوفاق بطرابلس، والجيش الوطني الليبي، الواقف على مشارف طرابلس، فهرول لتوقيع اتفاقيتين مع فايز السراج، رئيس الحكومة في طرابلس، إحداهما لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، والأخرى أمنية تتعهد فيها تركيا بالدفاع عن حكومة السراج في طرابلس. وفي نفس الأسبوع طلب أردوغان رسمياً من حكومة فايز السراج السماح للسفن التركية بالتنقيب أمام السواحل الليبية. والواقع أن هذه الاتفاقيات باطلة بموجب القوانين الدولية، فبداية فإن فايز السراج، رئيس حكومة معين، من خلال اتفاق الصخيرات، لا يملك صلاحيات التوقيع على اتفاقات دولية، فضلاً عن إعلان البرلمان الليبي، المنتخب رفضه التصديق على هذه الاتفاقيات، بما يفقدها أي اعتراف دولي بها. يضاف إلى ذلك أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مخالفة للقانون الدولي، المعمول به في هذا الشأن، حيث لم تراعِ تركيا حدود المياه الاقتصادية لدولة قبرص، وخاصة أمام جزيرة كريت اليونانية، حيث انتهكت حدود مياهها الإقليمية والاقتصادية، وبالنسبة للاتفاقية الأمنية، فتتعارض مع حظر التعاون العسكري المفروض على ليبيا، وهكذا التهب الموقف في منطقة شرق المتوسط.
استغلت تركيا انشغال القوى العظمى بأزمة فيروس كورونا، وأرسل أردوغان دعماً عسكرياً إلى ليبيا، متمثلاً في ضباط وقادة أتراك، لإنشاء مركز عمليات، ومركز استخبارات، في طرابلس، كما قام بنقل عشرة آلاف من المرتزقة من شمال سوريا إلى ليبيا، تدفع حكومة السراج لكل منهم 750 دولار شهرياً، كما قام أردوغان بالدفع بعدد 40 عربة مدرعة، و40 دبابة M60، أمريكية الصنع، إلى ليبيا، في حراسة من القوات البحرية التركية، فضلاً عن عدد من الطائرات المسيرة بدون طيار، متحدياً قرار مجلس الأمن بحظر إمداد الأطراف المتنازعة في ليبيا، بأية أسلحة ومعدات، والمتفق عليه في مؤتمر برلين. ومع وصول هذه الأسلحة والمعدات تغير ميزان القوى العسكرية، في ليبيا، مما دفع ميليشيات السراج إلى القيام بعمليات عسكرية، ضد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر. وكان الهدف التركي، الواضح، هو استغلال ثروات ليبيا من الغاز الطبيعي والبترول، لإنعاش الاقتصاد التركي الذي يعاني من تدهور كبير.
ومن هذا المنطلق جاءت المبادرة المصرية بإعلان القاهرة، الذي يتضمن مبادرة ليبية -ليبية، كأساس لحل الأزمة، بإعلان وقف إطلاق النار، وإلزام الجهات الأجنبية بإخراج عناصر المرتزقة، وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في أنحاء ليبيا، من خلال تسوية سلمية تضمن التوزيع العادل للثروات الليبية، وصياغة دستور جديد، وتحديد مدة زمنية لفترة انتقالية لإجراء انتخابات جديدة تحت إشراف الأمم المتحدة. وقد لاقى إعلان القاهرة ترحيباً واسعاً في المجتمع الدولي، وتوافقت عليه جميع القوى الدولية، كحل سلمي لإنهاء الأزمة، دون تدخلات أجنبية، لضمان استقرار ليبيا … ولكن يبقى السؤال، هل سيقبل أردوغان الانسحاب من ليبيا، وهو من يعنيه نهب ثرواتها، لإنعاش اقتصاده، قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية التركية، القادمة؟ وما هي استعدادات المجتمع الدولي للرد عليه حال استمراره في خرق ومخالفة كافة القوانين الدولية؟ خاصة أن معظم دول أوروبا والولايات المتحدة وروسيا وحتي قيادة حلف الناتو الذي هو عضو منها استنكرت التدخل التركي وطالبت بسحب العناصر المرتزقة من ليبيا.
والحقيقة أن ثورة 30 يونيه سوف تعتبر من الأعمال الرئيسية للرئيس عبد الفتاح السيسي في تاريخه وعندما يؤرخ تاريخ مصر في العصر الحديث سيقال أن الرئيس السيسي هو الذي خلص مصر من حكم الإخوان عندما دعم الجيش الشعب في ثورته التي قام بالتخلص من حكم الإخوان ودائماً استدل علي ذلك برأي الولايات المتحدة الأمريكية في أحداث 30 يونيه حيث أتذكر مقابلتي مع السيدة مادلين أولبريت في عام 2014 في زيارتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث استمعت منها وطاقم Think Tank التابع للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وفي هذا اللقاء معها بدأت بتقديم أعضاء المجموعة وعددهم 17 فرداً، من مختلف المجالات، منهم الخبراء العسكريين، وخبراء الأمن القومي، والسياسيين وخبراء القانون، ولم أندهش لوجود دكتور علم النفس بينهم. بعد التقديم أضافت السيدة أولبرايت بأنها ستتحدث لمدة 15 دقيقة، وسأتحدث أنا لمدة 15 دقيقة أخرى، وتخصص 15 دقيقة الأخيرة للنقاش مع باقي الأعضاء. وبدأت حديثها بأن الأسابيع المنصرمة كانت من أهم فترات المجموعة، إذ كلفهم الرئيس أوباما بأهم موضوعين يخصان السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة اللاحقة، واللذين ستتخذ الولايات المتحدة عدداً من القرارات المصيرية بشأنهما. الموضوع الأول ما يحدث في البلقان من روسيا تجاه شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، أما الثاني فكان سؤالاً مباشراً من الرئيس أوباما لتوصيف ما حدث في مصر تحديداً، “هل كان انقلاباً عسكرياً، قام به الرئيس السيسي لإزاحة الإخوان من السلطة؟ أم كانت ثورة شعبية، أيدها وساندها الجيش؟” مضيفة بأن اعتبار ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً، سيكون له تبعات خطيرة طبقاً للدستور الأمريكي.
واستطردت قائلة، بأنها اطلعت، أولاً، على الورقة البحثية التي قدمها الرئيس السيسي، عندما كان طالباً، في الولايات المتحدة، فوجدتها دراسة عن الديموقراطية في دول العالم الثالث. ثم أضافت أنها تابعت أول قرارات الرئيس السيسي، بعد توليه الحكم، برفع الدعم عن المحروقات، وهو القرار الذي تأخر لأكثر من 40 عاماً، خوفا من المظاهرات أو الاعتراضات الجماهيرية، مما أكد لها أنه “Reformer”، أي إصلاحي، وكررت الكلمة أكثر من مرة، فلو كان قادماً على رأس انقلاب عسكري، لفعل ما يفعله الانقلابيون بمحاولة استمالة الشعب، بقرارات شعبية. والأهم من ذلك أن الشعب وافقه على قراراته، رغم صعوبتها، مما أكد لها، وللمجموعة، أن ما حدث في مصر ثورة شعبية انحاز لها الجيش، وهو ما رفعته، لاحقاً، في تقريرها النهائي للرئيس أوباما.
عندما حان دوري في الكلام، كنت قد أيقنت بأن هذه المجموعة على علم تام بتفاصيل ما حدث، فأضفت كلمة واحدة، مفاداها أنه حتى في أعتى الديمقراطيات، يتودد الرئيس إلى الشعب، خلال فترة رئاسته الأولى، بقرارات شعبية، تضمن إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة، يتخذ فيها القرارات الصعبة، قبيل رحيله عن الحكم، أما الرئيس السيسي فيهدف إلى الإصلاح، منذ اليوم الأول، غير آبه بشعبيته، لإيمانه بأن قراراته تصب في صالح البلاد، حتى وإن لم يشعر العامة بأهميتها في المدى القصير… كذلك كان قراره بتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي وتحمل معه شعب مصر أعباء هذه القرارات والآن مصر تواجه أزمة التصدي لوباء الكورونا نجد أن خطة الإصلاح الاقتصادي التي نفذها السيد الرئيس هي التي كانت خير معين لنا للوقوف والتصدي لنتائج ازمة الكورونا لذلك عندما تحل ذكري 30 يونيه كل عام نتذكر جميعاً كيف خاضت مصر بشعبها وجيشها أصعب فترة في تاريخها الحديث فترة التخلص من حكم الإخوان المسلمين التي ستظل ذكري عزيزة في تاريخ مصر الحديث.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.