أدلى حسام زكى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية الأسبوع الماضى بتصريحات لفضائية مصرية قال فيها : إن التدخل التركى فى سوريا غير قانونى أما التدخل التركى فى ليبيا فهو قانونى معللا ذلك بأن حكومة الوفاق الليبية هى من طالبت تركيا بإرسال قوات إلى ليبيا مضيفا أن حكومة الوفاق شرعية وفقا لإتفاق الصخيرات ولكنها تسعى لتحقيق مصالح خاصة..
المؤكد أن تصريحات الأمين العام المساعد للجامعة العربية قد جانبها الصواب ولكنه من المؤكد أيضا أنها تعبر بصدق ووضوح عن الحال التى وصلت إليها الجامعة العربية من تفكك وضعف وانعزال تام عن الأمة العربية وقضاياها وعن حاضرها ومستقبلها وما يحيط بها ويحاك ضدها من مؤامرات ومخاطر.
نستطيع أن نقول الجامعة العربية أصبحت لاترى فقدت القدرة على الإبصار وفقدت القدرة على التمييز بين الحق والباطل , أصبحت أضعف من أن تتخذ قرارا واحدا فى واحدة من أخطر القضايا بل واحدة من أخطر التحديات التى تواجه أى دولة .. بل أى أمة على مر التاريخ وهى قضية الإحتلال الذى يهدد وجود أى دولة يلغى سيادتها ويطمس هويتها ويستولى على ثرواتها ومقدراتها
الإحتلال هو الإحتلال أيا ماكانت صوره وأشكاله وأبعاده وأيا ماكانت حججه ومبرراته , الجامعة العربية أصبحت أضعف من أن تستخلص النتائج والعبر من التجارب والخبرات التى مرت بالأمة العربية لاسيما من مخاطر الاستقواء بالخارج فى ماضيها البعيد والقريب وفى حاضرها, جماعات وأحزاب وقوى وحكومات لعبت هذه اللعبة القذرة فكيف كانت النتيجة والأمثلة كثيرة من لبنان إلى العراق وغيرهما .
تصريحات مسئول الجامعة العربية بعدت تماما عن المنطق والرد عليها من أبسط ما يكون يكفى أنه لايوجد مبرر لاستقواء حكومة عربية بقوات دولة من خارج محيطها العربى خصوصا عندما يؤكد الماضى البعيد والقريب أن هذه الدولة تسعى لإحياء مجد قديم تسعى .. لإعادة العديد من الدول العربية إلى حظيرتها مرة أخرى, وكذلك عندما يؤكد الواقع الذى نعيشه أن هذه الدولة تسعى لبسط نفوذها على الدول العربية المجاورة لها على حساب الدماء العربية وعلى حساب الحقوق العربية والشواهد على ذلك حية ودامغة فمئات وآلاف القتلى من أبناء الشعب العربى السورى تم قتلهم بدم بارد فى شمال سوريا ومدن بالكامل تم طمس هويتها العربية مثل مدينة عفرين, ومئات الكيلومترات تم ابتلاعها فى سوريا والعراق والبترول السورى الذى سرقته عن طريق داعش وعمليات الإعتداء على الشمال العراقى التى تتواصل بحجج واهية ومبررات كذوبة.
الإدعاء بأن القوات التركية جاءت إلى ليبيا بطلب من الحكومة الليبية إدعاء كاذب ولايبرر إحتلال تركيا لليبيا خصوصا أن الأطماع التركية فى ليبيا معروفة وأن الدوافع التركيةالحقيقية لإرسال قوات لليبيا مكشوفة ومقضوحة, فلماذا إصرار تركيا على إرسال قوات لليبيا رغم رفض دول الجوار بل ورغم رفض المجتمع الدولى ومخالفة السلوك التركى لمقررات قمة برلين؟
لماذا إصرار تركيا على إرسال قوات لليبيا رغم ما تكبدته من خسائر بين صفوف قواتها ورغم ما تكبدته من نفقات وأموال على المرتزقة الذين استجلبتهم من سوريا رغم المعاناة الجسيمة التى يعانيها اقتصادها من ركود وبطالة وتضخم وتدهور قيمة الليرة؟
ألا يكشف كل ذلك عن أهداف ودوافع أخرى لتركيا أكثر من مناصرة قوات حكومة السراج فى صراعها على السلطة ضد قوات الجيش الليبى ومجلس النواب؟
الإدعاء أيضا كاذب لأن حكومة الوفاق فقدت شرعيتها لسببين الأول أنه وفقا لإتفاق الصخيرات فإن مدة الإتفاق 18 شهر ويجوز مده 8 أشهر أخرى فقط والإتفاق تم التوقيع عليه فى مدينة الصخيرات بالمملكة المغربية فى أواخر ديسمبر عام 2015 أى مضى عليه أكثر من 4 سنوات وثانيا لأن أى حكومة تستعدى شعبها بقوات دول أخرى تفقد شرعيتها فى الحال لأنها بذلك تشرع للإحتلال
ويبقى السؤال هل تقبل الجامعة العربية بإحتلال تركيا لليبيا ؟.. هل تقبل الجامعة بإعادة نموذج العراق الذى عانى لسنوات عديدة من الفوضى بعد ان أصبح قاعدة للجماعات الإرهابية بعد سقوط بغداد وتفكيك الجيش العراقى عام 2003؟ .. هل تقبل الجامعة العربية بمزيد من الفوضى فى المنطقة العربية تشمل إلى جانب سوريا واليمن والعراق ولبنان ليبيا ومصر؟.
عن أى شرعية تتحدث الجامعة العربية .. عن شرعية إطالة أمد الصراع والنزاع إلى مالا نهاية أم عن شرعية الإحتلال أم عن شرعية سفك الدماء أم عن شرعية تضييع الحقوق العربية وابتلاع الأراضى والثروات العربية .. أم عن شرعية الخنوع والانسحاق أمام أى رغبات دنيئة لدولة كانت ولازالت تطمع فى السيطرة على الدول العربية والاستيلاء على ثرواتها ومقدراتها؟
ألم تسمع وتتابع الجامعة العربية ما يحدث فى مياه البحر المتوسط وسعى تركيا بكل السبل للاستيلاء على الثروات النفطية من نفط وغاز فى شرق المتوسط وفى المنطقة الاقتصادية لليونان وقبرص وإصرارها على ذلك رغم رفض وتهدبد الإتحاد الأوربى ؟
وهل مازالت جامعة الدول العربية على قناعتها بأن تدخل تركيا فى ليبيا شرعى وقانونى فى الوقت الذى تقول فيه فرنسا ودول العالم الحر أن تدخل تركيا فى ليبيا غير مقبول ويجب أن يتوقف؟
أتمنى أن تعيد جامعة الدول العربية قراءتها للمشهد من جديد وأن تتحرر من أى قيود أو دوافع غير بريئة وأن يكون هدفها الأول والأخير مساندة وحماية الدول العربية والحفاظ على استقلالها وسيادتها والحفاظ على الحقوق والثروات والمقدرات العربية .