جيهان عبد الرحمن تكتب : متي نعتذر لأطفالنا ؟

حين نشر الأستاذ علاء ثابت عمدة المصريين و رئيس بيت العائلة المصرية في العاصمة الألمانية برلين صورة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وهي تنحني أمام جمع كبير من الأطفال وتمسك بيديها المايك لتقدم لهم اعتذار الحكومة الألمانية بسبب حرمانهم من الخروج و الذهاب إلي ساحات اللعب في فترة الحجر الصحي, وأقترن الاعتذار بوعد أن تصرف الحكومة للعائلات مبلغ 300 يورو علي كل طفل بغرض للتنزه أو شراء ألعاب مفضلة لديهم أو حتي يحتفظون بالمبلغ, ألمانيا تعوض الأطفال عن تقصير نفسي أنتقص من حقهم في اللعب, فكان من حقهم القول أن أنجيلا ميركل شخصية عظيمه هكذا تكون الوعود.
للأطفال في ألمانيا شأن خاص جدا حيث أنها دولة تعاني من الشيخوخة فهي من أكثر دول أوروبا في تعداد السكان لكنها تعاني نقصا حادًا في نسبة الشباب حيث تمثل فئة الأعمار الأقل من 15 سنه نحو 16% فقط من مجموع السكان وهذا ما يفسر اتجاه ألمانيا نحو استقبال الشباب المتعلم المتميز من المهاجرين من كل دول العالم بهدف إنقاذ قلعتها الصناعية التي قامت ببنائها بكل جدية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وهو ما يعكس اهتمامها البالغ بالأطفال وتعليمهم وتنشئتهم في بيئة صحيه مناسبة. دائرة الإحصاء المركزية في برلين تصدر تحذيرات من تراجع النمو السكاني في البلاد وتحولها لدولة كبيرة السن نتيجة استمرار تناقص أعداد المواليد وزيادة أعداد الوفيات مما يجعل كبار السن في قاعدة الهرم السكاني بدلا من الأطفال والشباب. فما بالنا بالوضع بعد أزمة الكورونا العالمية وزيادة نسبة الوفيات وخاصة بين قطاع كبار السن. فلا تتعجب من اعتذار ميركل لأطفال ألمانيا.
وقبل أن تعقد أية مقارنات محتملة في ذهن حضرتك بين أطفالنا وأطفالهم , في نظرة عاجلة علي المكان المخصص للتعليقات علي خبر الـ 300 يورو لكل طفل ألماني كانت كما تتوقعها حضرتك تماما, تراوحت بين الحسرة والألم والسخرية وجلد الذات وخفة الظل وما أكثرها.
أطفال مصر عددهم نحو 38مليون يمثلون نحو 40% من تعداد السكان حتي سن 18سنه هم ثروة قومية كبري إن أحسن تعليمهم ووضعهم في نظام متكامل يفرز المتميز والنوابغ منهم في المجالات العلمية والبحثية والصناعية المختلفة, لكن نتيجة لتخبط السياسات التعليمية منذ ثمانينات هذا القرن وحتي الأن وجد من بين الـ40% من شبابنا 4%متسربين من التعليم الإعدادي أصلا وهؤلاء معظمهم سائقي تكاتك جمع “توكتك ” وقليل منهم في ورش الميكانيكا أو النجارة أو الزراعة أو حتي بلا عمل متسكعين علي النواصي لا يعلمون شيء عن المستشارة الألمانية ولا اعتذارها ولا هداياها للأطفال هناك. وحسب إحصاءات وبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء, هناك 118 الف طفل من 10حتي سن 17 عام متزوج 93% منهم الإناث وهن في الغالب وعائلاتهن منشغلات بمشاكل الحمل والطلاق وانجاب جيل من الأطفال أكثر جهلاً وفقرًا ومن المؤكد طبعا أنهم لا يعرفون ميركل ولا حتي ألمانيا.
أما باقي أطفالنا وشبابنا فيما عدا التعليم الدولي المتميز جميعهم يتساوون تقريبا في وجودهم في معامل وزارة التربية والتعليم تجري عليهم تجاربها الفذة منذ ثمانينات هذا القرن في تطوير التعليم ونسال الله أن تكلل تلك الجهود بالنجاح والتي سنبهر بها العالم كما تقول التصريحات الموعودة.
لا وجه للمقارنة بين الاقتصاد الألماني والمصري ولا الظروف الحياتية للطفل الألماني ونظيره المصري. تحديات كبري تواجهنا مع وباء مستجد يحتاج قطاع طبي مؤهل وبحث علمي متميز وعلماء في مجال الطب و تكنولوجيا صناعة الدواء وأطقم تمريض, حتي تحديات الدولة مع الإرهاب منذ التسعينات وحتي الأن كانت تستدعي تعليم جيد منذ الصغر, مناخ تعلو فيه قيم الفنون والعلوم والثقافة والجمال عناصر ترتقي بها الإنسانية جمعاء تسمو بها علي التعصب والتطرف والإرهاب والإلحاد.
كل دقيقة تمضي مع جائحة الكورونا التي أفسدت علي الجميع حياتهم تؤكد أنه لا بديل عن العلم والتعلم فمن حرر أرضنا وحقق لنا الانتصار في حرب أكتوبر 1973 كان جيش مصر من خريجي الجامعات في مختلف التخصصات تحت قيادة سياسية عسكريه واعيه. ولا أتصور أن تحرير العقل والبدن من الجهل والفقر والمرض أقل أهمية من تحرير الأرض. وأول تلك الخطوات هي الاعتذار لاعن التقصير النفسي في حق الأطفال للعب والترفيه, لكن اعتذار عن التقصير في حق الحياة ذاتها في الماء والهواء كم نحتاج اليوم إلي طه حسين.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.