رغم أنني من أشد المحاربين للفن الفاسد وأربابه باعتبارهم أداة شديدة التدمير للمجتمع وأفراده ، إلا أنني لا أستطيع إلا أن أقف احتراما وتقديرا لأصحاب الرسالة الفنية الهادفة التي توجه كل إمكانياتها لتصوير الواقع بدون تزييف أو تزوير أو مبالغة بلا أي إضافات تشويقية أو تسويقية يرفضها الدين وتتنافي مع الأخلاق .
هنا فقط نستطيع القول أن الفن والواقع كلاهما وجهان لعملة واحدة ، وكلاهما له تأثير فعال علي الآخر في إطار الصدق والواقعية والثوابت الدينية والأخلاقية . فأغلب الأعمال الفنية سواء الدرامية أو السينمائية لا طعم جيد لها ولا لون واضح ولا رائحة طيبة ، وإنما تخرج منها سلوكيات عفنة ومشاهد لا علاقة لها بما تربينا عليه من أخلاق وقيم ومباديء . ولكن أعتقد أن مسلسل الإختيار والذي عرض في رمضان علي شاشات التليفزيون سيكون له تأثير قوي علي نهج الدراما واثرا كبيرا علي صناعها .
فقد شاهدنا جميعا هذا المسلسل الذي يحكي قصص واقعية من بطولات أبطال القوات المسلحة ، المسلسل تم تصويره بحيث يكون مطابقا للأحداث الواقعية وفي أماكن قريبة من أماكن الأحداث الحقيقية حتي يشعر المشاهد أنه أمام ملحمة بطولية حقيقية وليس عمل فني . وقد كان لصناع هذا العمل الكبير ما أرادوا . فللمرة الأولي منذ سنوات طويلة يحس المشاهد المصري أنه أمام عمل فني يستحق الإحترام ، عمل وطني تشعر معه أنك في قلب الأحداث، كل شيء كان عظيما … الإخراج والتمثيل والأحداث وأماكنها وابطالها …. منتهي الواقعية التي ظننا انها انتهت بوفاة رائدها الخالد صلاح أبو سيف . القوات المسلحة شاركت بالدعم والمساهمة وقدمت كافة سبل المساعدة لإنجاح هذا المسلسل ليكون توثيقا لبطولات رجالها . أكثر ما يميز هذا العمل الفني الضخم انه تم تجسيده بلسان أبطاله الحقيقيين وبالتالي لم يترك الفرصة لأي شخص أن يدعي تزييف الأحداث أو تعظيمها . كما أثبت مسلسل الاختيار أن الجمهور المصري متعطش للفن الراقي الهادف ، وأن جمهور العريء والجنس والمخدرات هم الاقلية ، فأغلب المشاهدين يتمتعون بدرجة من الثقافة والاحترام فيما عدا مجموعة من المهمشين لا يجدون انفسهم إلا في صورة البطل الذي يسمك سلاحه بيد وفي اليد الاخري يمسك سيجارة الحشيش أو كأس الخمر ، الفن سلاح ذو حدين … فهو إما أن يلقيك إلي المهالك أو يقودك إلي بر الأمان … الطفل والمراهق يجد في النجم مثله الأعلي ، يقلده في تصرفاته وأفعاله وحركاته وفي كل شيء ، تغير القدوة هو سبب كل البلاء الذي نعيشه … مسلسل الاختيار أصبح بارقة أمل ونقطة الانطلاق نحو فن نظيف هادف خاليا من تصوير الجنس والخمر والمخدرات علي أنها أيقونة المجتمع المصري ، حيث أصبحت هذه الأشياء الآن هي العامل المشترك في كل الأعمال الدرامية الآن ….
كنت أول ما ناديت بأن تتولي الدولة مهمة الإنتاج الدرامي والسينمائي حتي نضمن محتوي لا يؤثر علي عقلية المشاهد ولا سلوكياته ، و ارجو أن يكون هناك إنتاج درامي وسينمائي مكثف لتوضيح الحقائق الغائبة وإصلاح المفاهيم المغلوطة حتي نخرج جيل قادر علي التفرقة بين الحلال والحرام والعيب والمباح ….. والوطنية والخيانة ، صناعة الدراما والسينما تجارة رابحة ، ودخول الدولة فيها بشركات ذات رأس مال ضخم سيكون سلاح ذو حدين ، فهو سيضخ أموالا طائلة لخزانة الدولة ، وفي نفس الوقت سيؤثر بالإيجاب علي تحسين الذوق العام وخاصة قطاع عريض من المشاهدين وهم الشباب والجيل الجديد مما يضمن تربية جيل جديد علي القيم الدينية والأخلاقية بل والوطنية . كل من شاهد المسلسل تأكد أنه أمام المعركة ذاتها وأنه أيضا شريك في هذه الملحمة الوطنية العظيمة وليس مجرد متفرج اعمل فني به إبداع من نوع خاص .
لقد ترك مسلسل الاختيار عظيم الأثر في نفوس المشاهدين وخصوصا الجيل الجديد من أطفالنا وشبابنا . تحولت البوصلة من البطل البلطجي تاجر المخدرات إلي الضابط المقاتل والجندي الفدائي .
أن الفن اذا سار علي نهج الاختيار سيكون له أعظم الأثر وستكون نتائجه مبشرة علي الوطن .