حين توجهت بالسؤال لمحدثتي وهي سيدة بسيطة من أهالينا لماذا تضعين جزء من غطاء رأسك” الطرحة” علي أنفك وفمك بديل لكمامة وهذا لا يمنع انتشار العدوي وأعلم أنك تخرجين يوميا لشراء مستلزماتك وجلسات العلاج الطبيعي المقررة لك, قالت بكل بساطة ووضوح ومن أين لي بعشرة جنيهات إضافية كل يومان علي الأقل لشراء كمامة جديدة وهي غير متوفرة أصلا وإن وجدت فكل صيدليه تبيعها بسعر مختلف, وزوجي تأثر عمله وأغلقت الورشة التي كان يتكسب منها. وهنا أسقط في يدي وأنا أعلم أنها عزيزة النفس ذات أصل طيب ولا تقبل المساعدة وأثق في صدق حديثها.
الحكومة اتخذت قرارات بتحديد أسعار المستلزمات الطبية وفرض عقوبات علي المخالفين وثمة جهود أخري لوزارة الداخلية ضد محتكري أدوات التطهير والتعقيم والمستلزمات الطبية, لكن يبدو أنها إجراءات مازالت بعيدة عن حيز التطبيق في كثير من المناطق وخاصة الشعبية منها والتي يعيش أهلها علي هامش الحياة وكثير منهم غير مبال بحجم الخطر وشبح المرض والموت المخيم علي الأجواء, أحياء كاملة مثل دار السلام والبساتين والمطرية وأمبابة وفيصل وغيرها مازال كثير من أهلها يعيش حياته الطبيعية وكأنه لم يسمع أصلا عن فيروس قاتل خطير يدعي كورونا, رغم وقوع كثير إصابات وحالات وفاة في تلك المناطق ولكن كثير منهم لا يستطيعون توفير نفقات إضافية لشراء كمامات وقفازات ومطهرات وبالكاد يعيشون بالستر من الله.
ومع تلك الحالة البائسة بتنا نبحث عن واسطة لا تقل عن وزير لتوفير سرير بأحد مستشفيات العزل نظرا لكثرة الحالات ووصول المستشفيات لحالات الاستيعاب القصوى, والتوصية بان يعزل المصاب نفسه في حجرة منفصلة مع اتخاذ التدابير واتباع بروتكول العلاج الخاص بوزارة الصحة يعد أجراء هزيل يمكن وصفه بالتخلي عن المسئولية , لخطورة بل استحالة تنفيذه علي أرض الواقع دون شيوع الإصابات بين باقي أفراد الأسرة نظرا لان معظم منازلنا حجرتين أو ثلاثة و حمام واحد للأسرة كلها, اضف إلي ذلك اختفاء العلاج أصلا والذي يتراوح بين التاميفلو والهيدروكين أو البلاكونيل وتم مضاعفة أسعارهم .
وسط هذه الأجواء ينتظر أن يتم التصويت غدا الأحد بمجلس النواب بشكل نهائي علي مشروع قانون بفرض عقوبة تتراوح ما بين 300 جنيه إلي خمسة الأف جنيه في حالة عدم الالتزام بتعليمات وزارة الصحة باستخدام الكمامات الطبية وغيرها من المستلزمات الوقائية خارج أماكن السكن ويمنح مشروع القانون السلطات الصحية الحق في إلزام الأفراد بما تقدره من إجراءات ضرورية لمنع انتشار العدوي إلي جانب استحداث مشروع القانون مادة تقضي بمعاقبة كل من أعاق أو عطل أو منع دفن الميت أو أي من طقوس الدفن بالمخالفة للقواعد والإجراءات التي يحددها وزير الصحة بالحبس وبغرامة لا تقل عن 5الأف جنيه ولا تجاوز 10الأف جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين
في الحقيقة تعجبت كيف لمواطنة عجزت عن توفير جنيهات قليله من أجل شراء كمامة للوقاية من إصابة محتمله كيف لها أن تدفع قيمة غرامة تتراوح من 300 إلي خمسة الأف جنيه, تعجبت أكثر حين تذكرت ذلك الرجل بالبنك الأهلي فرع الحصري بمدينة السادس من أكتوبر وهو ينفذ تعليمات البنك بمنع دخول أي عميل علي موظف البنك دون ارتداء كمامة لكنه يحتفظ في جيبه بواحده يعطيها للعميل الذي حل دوره ولا يرتدي كمامه مقابل ما يجود به من جنيهات لكن الأعجب والأغرب وهو ما شاهدته بنفسي أنه بعد انتهاء مهمة العميل يعيد الكمامة للرجل الذي بدورة سيعطيها لأخر حتي يستطيع الدخول لموظف البنك وإنهاء مصلحته.
من يتحدث ويراهن علي وعي الشعب لم يشاهد فيديو خروج أحدي القري عن بكرة أبيها للاحتفال بشفاء أحدهم وعودته سالما في مشهد عبثي ساخر يصلح لأفلام الفنتازيا التي اشتهر بتقديمها رأفت الميهي أو نشاهد تلك المقاطع المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للأسواق والمناطق التجارية مثل العتبة, وفوق الكباري في ساعات الحظر أو محلات الملابس والمخابز لزوم شراء كحك العيد, أو حتي مشهد أهالينا في منيا القمح وهم يؤدون صلاة الجنازة علي الدكتور دراز المتوفي بكورونا.
لا أدري أي قانون هذا الذي سيفرض عقوبات ولا يوفر كمامات مجانية لغير القادرين, قانون ربما يهتم بجمع الغرامات ويعجز عن توفير سرير إضافي لمريض يخطفه الموت. علي مجلس النواب مراجعة موقفهم فالخطر يحيط بالجميع ولا يستثني أحد.