فى كل مرة تتجدد المأساة بكل تفاصيلها وتتجدد الصور لألاف الضحايا من الأبر ياء ويبقى العالم يشاهد المشهد مستمتعا بكل تفاصيله من قتل الألاف من الأبرياء فى دول الشرق الأوسط بيد جماعات البغى والضلال التى مولتها وصنعتها وأوجدتها دولا من العالم المتقدم, إلى قتل الألاف الآخرين فى حروب وهمية عبثية مرة بين العراق وإيران ومرة داخل البلد الواحد وتتورط فيها دولا مجاورة بدءا من أفغانستان إلى اليمن وسوريا وليبيا, إلى المشهد المتكرر دائما لسقوط المئات والألاف من الضحايا الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال من أبناء الشعب الفلسطينى على يد قوات الإحتلال الإسرائيلى, دون أن يحرك العالم ساكنا فى كل مرة ودون أن يصدر مجلس الأمن الدولى قرار إدانة واحد وفى كل مرة يتحدث العالم المتقدم عن حقوق الإنسان.
شنت الولايات المتحدة الأمريكية حملات تضييق واعتقال وطرد لكل الوافدين من العرب والمسلميين بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 ولم يحرك العالم ساكنا, بل كان العالم يستمتع وهو يشاهد المذابح والمجازر الجماعية التى صنعتها أمريكا فى العراق سواء بأيديها أو بأيدى حلفائها الجدد من الشيعة والأكراد,كما كان يستمتع وهو يشاهد مشاهد الخزى والعار فى سجن أبو غريب فى العراق وفى كل مرة يتحدث الجميع عن حقوق الإنسان بمن فيهم من مارس القتل والتعذيب.
ضريت أزمة كورونا العالم المتقدم فى عقر داره وحصدت أرواح عشرات الألاف من أبنائه وسجلت هى الأخرى شهادتها أن العالم المتقدم لايعى عن حقوق الإنسان سوى الإسم فحسب وأنه أبعد ما يكون عنها, فهاهى إيطاليا التى ضربها كورونا بقسوة على مدار الشهريين الماضيين لم يمد لها الإتحاد الأوروبى يد العون بل أخذت المعونات والمستلزمات الطبية من دول من خارج الإتحاد مثل مصر والصين, بل إن دولة مثل بريطانيا تنتظر هى الأخرى أن تقدم لها مصر المساعدات الطبية فهل يؤمن الإتحاد الأوروبى بحقوق الإنسان؟, وهل تؤمن الولايات المتحدة الأمريكية حقا بحقوق الإنسان والتى لم يكن بها سوى عدد محدود من الوفيات حتى إعلان كورونا جائحة فى 11 مارس الماضى إلى أن تصدرت اليوم دول العالم أجمع من حيث عدد الإصابات والوفيات بأكثر من 614 ألف مصاب وأكثر من 26ألف وفاة, فهل كانت الإدارة الأمريكية تؤمن حقا بحقوق الإنسان وأقلها حقه فى الحياة عندما تركت الأمر يستفحل إلى هذه الدرجة مدعية أنه لم يكن فى الإمكان أكثر مما كان؟.
هل دولة مثل الصين التى اعتقلت الطبيب الذى اكتشف فيروس كورونا وأخفت فى البداية معلومات مهمة عن الفيروس وأنه كما انتقل من الحيوان إلى الإنسان ينتقل من الإنسان إلى الإنسان هل تؤمن بحقوق الإنسان؟, هل الصين نجحت فحسب فى السيطرة على الفيروس من خلال فرض إجراءات صارمة على حركة تنقلات المواطنين أم لأن لديها أدوية فعاله له بدليل أن الصين التى أصيب بها 82.295 تعافى منهم 77.816 أى بنسبة شفاء تقارب ال95 % أى أعلى بكثير من دول تتمتع بأفضل نظام صحى فى العالم مثل ألمانيا واليابان أم أن الأمر مجرد صدفة؟!,وهل دولة مثل تركيا يؤمن رئيسها بحقوق الإنسان ففى الوقت الذى يقتل فيه كورونا المئات من أبناء شعبه ويصيب الآلاف يواصل هو قتل الأبرياء فى سوريا وليبيا؟.
كشفت كورونا عن حجم الأنانية التى مازال البعض أو الكثيرون يتمتعون بها ففى مسعى لإعلان النجاح لدولة ما دون غيرها سقط الجميع فى فشل مدوى, لم تنجح كل المحاولات حتى الآن للتوصل لعلاج فعال لكورونا يحد من قدرته على حصد المزيد من الأرواح, نعم المعامل البحثية تعمل فى معظم دول العالم تقريبا ولكن دون تنسيق ودون تبادل للمعلومات فى وقت يتطلب فيه كورونا التعاون وتبادل المعلومات, والسؤال لماذا تتبادل دول العالم المعلومات الأمنية ويلتقى المسؤلون فى الأجهزة الأمنية من هنا وهناك للتنسيق والتشاور وتبادل المعلومات؟, ويعقد المسؤولن فى الدول المختلفة الكثير من الاجتماعات لتوقيع إتفاقيات لتبادل المجرمين وعند كورونا لجأ الجميع دون استثناء إلى المكر والخداع وإلى احتكار المعلومة وإلى العمل فى صمت وإلى محاولة شراء العلماء؟, هل يعكس ذلك إيمان حقيقى بحقوق الإنسان أم الأنانية وحب الذات والرغبة فى التملك؟.
كورونا فضح العالم المتقدم أكد بوضوح أنه عالم بلا قيم وأنه طالما كانت المصلحة والمنفعة المتبادلة كانت اللقاءات وتبادل الابتسامات والقبلات أمام الكاميرات, حتى كتابة هذه السطور لم يعلن العالم عن علاج لفيروس كورونا ليس لأن الفيروس جديد ولكن لأن العالم المتقدم أنانى ويسعى لإعلاء المصلحة الشخصية أو القطرية على حساب المصالح العامة وعلى حساب مصلحة الإنسان ذاته أيا ماكان موقعه أو جنسيته, فالعالم المتقدم الذى يتشدق بترديد أغنية حقوق الإنسان ثبت أنه أبعد ما يكون عن حقوق الإنسان وأنها مجرد وسيلة للتدخل فى شئون الدول الأخرى التى تختلف معه فى السياسات, هى وسيلة ليس اكثر لفرض الهيمنة والسيطرة, والسؤال أين حقوق الإنسان والعالم كله يشاهد دفن المئات من ضحايا وباء كورونا فى مقابر جماعية مثلهم مثل ضحايا الحروب بلا مراسم تشييع أو دفن بدون أدنى إحترام للنفس البشرية؟.
وكما كشف أزمة كورونا عن أنانية العالم المتقدم كشفت أيضا عن المدى والحجم الذى سيطرت فيه المادة والقيم النفعية على العالم فالمؤكد أن واحدا من الأسباب المهمة لعدم التعاون بين الأجهزة والمؤسسات العلمية المختلفة هو أن تحتكر الدولة التى ستتوصل للعلاجإنتاجه ويكون من حقها وحدها بيعه فى جميع دول العالم وتربح التريليونات من الدولارات, القصة إذن ليست هى تسخير العلم لخدمة البشرية ولا السعى بجدية لتحقيق إنجاز علمى وطبى لإنقاذ ملايين البشر, بل هى البحث عن مكاسب مادية ليس اكثر ولذا يعلن الرئيس الأمريكى ترامب استعداده لدفع أى أموال لعلماء ألمان فى مقابل شراء أبحاثهم للتوصل لعلاج كورونا وتسعى كل دولة من الصين إلى ألمانيا مرورا بروسيا وفرنسا وبريطانيا ومن اليابان إلى أمريكا كل على حدة للتوصل لعلاج لكورونا واكتشاف مصل أو لقاء لمنع الإصابة به مجددا دون أن يكون هناك أى تعاون فيما بينهم وذلك ليس لخدمة الإنسان أو لتحقيق مجد علمى وأدبى بل لتحقيق مكاسب مادية ليس أكثر.