ذهبنا فى المقال السابق إلى الإتفاق على أمرين, الأول : صياغة مقولة : ” أنا مسئول إذا أنا موجود ” , والثانى : هو أن يسأل المرء منا نفسه : هل قام بمسئوليته تجاه تربية الأجيال القادمة على مبدأ المسئولية عن نجاح الغيرأو الإيمان ظاهراً وباطناً بحق الغير فى الحياة؟, وهنا نستكمل عدة ملاحظات حول المسئولية التى تمنح من يمارسها حق الحياة, أول تلك الملاحظات : نعيب على ظروفنا الإجتماعية التى تشى بالفرقة والتباعد الإجتماعى, ونتجاهل أننا لم نعود أبنائنا أن يحبوا غيرهم, والحب هنا ليس سلوكا داخل خلايا العاطفة وفقط إنما يعنى المبادرة بتقديم المساعدة دون انتظار مقابل, والرغبة فى نجاح الآخرين دون حقد أو غل, والشعور بالسعادة الداخلية عند إرتقاء نظرائنا للمراتب العليا فى المجالات المختلفة من غير تمنى زوال النعم, إلى آخر تلك العلاقات الإيجابية الظاهرة والباطنة بين الإنسان وغيره, ولأن المعظم منا أو القلة منا , لم يقم بدوره تجاه القادم فكانت النتيجة هى عدم إعتقاد هذا الجديد القادم فى حق غيره بالوجود من البداية, ومن هنا ربما يكون السبب الرئيسى لظهور ما أتفق على تسميته إعلامياً بالفتن الطائفية – عقائديا – لعدم الإيمان بحق الغير فى سلك مسالك العبادة بما يتوافق وما يعتقد فى صلاحه, وعدم السعى فى إعانة الغير لممارسة عبادته كما يعتقد, ومن جانب آخر وجود الإختلافات النوعية الرجعية بين النوعين الذكر والأنثى, والتى تثمر أشواكا دامية فى العلاقات البينية فى محيط زمالة العمل, أو من خلال التعالى والتمايز للذكر على الأنثى فى علاقات الأبوة والبنوة, أو من خلال التنمر والتوحش فى العلاقات ما بين الزوجين, أو فى ظهور إباحى للتحرش بالشارع بشكل لايتحرج من المفاخرة والتباهى, إلى أخر صور التخلف والتدنى الإنسانى, ناهيك عن النظرة المتعالية والتعامل المتعجرف لأهالى المدن لغيرهم من سكان القرى التى هى أصل اللبنة الأولى للمجتمع المصرى الزراعى –تحديدا- , ولا يحتمل المقام حصر كافة أشكال وصور التطرف فى رفض نجاحات الآخرين وإجهاضها رياضياً وفنياً وأدبياً وعلمياً وإعلامياً و.., لأننا فقط تجاهلنا تربية النشء على المسئولية فى نجاح الآخرين.
أما ثانى الملاحظات فكانت تزيُّن مخادع لفئة من المجتمع تملكت القدرة دون سواها – بشكل ما – فى فرض وجودها, وبسط سطوة شعاع الألق الكاذب لنجاحات لم تعطى الفرصة لغيرها فى المنافسة لتمحيص الجيد وزوال الغث, وعلى الجانب الآخر بالطبع وجود فئة أخرى لم تُعطى الفرصة – بشكل ما – لتختبر مساهاماتها للإرتقاء بإنسانية المجتمع, والمحصلة هى بقاء نظرة أحادية – متعالية – للتطويروتعمل لصالحها فقط, وتقوقع الفئة الأخرى وإنحسار طموحها فى الوجود فى رغبة ملحة لهدم نجاح الأولى, وفى النهاية يخسر المجتمع محصلة المجهود الإيجابى للفئتين.
وثالث هذه الملاحظات هو الإحباط, ويكون لهذه المشاعر السلبية وجهان الأول : إحباط من جانب المتعالين فى إمكانية تطور غيرهم, والثانى : إحباط من جانب المنسحقين فى إمكانية تخطيهم وتجاوزهم للمربع رقم صفر, ويعانى المجتمع الذى لم يتربى على المسئولية من مناخ عام من السلبية والأنمالية, وتروج ماكينات الإعلام لكلا الفريقين لمقولة ” أنا ومن بعدى الطوفان” وتنفث الدراما سلوكيات مفادها ” اللى تقدر عليه خده ” ويتخلى قادة الفكر عن رسالتهم العضوية تجاه مجتمعهم, وتنتهز الفرصة للانقضاض الذئاب التى تتقطر أنيابها بالدماء لهثا خلف فريسة الجائزة الكبرى, وذلك بسبب عدم اجتهاد الآباء فى تربية النشء على مفهوم المسئولية الجماعية, وربما يهدد ذلك حق الجميع فى الحياة.
والملاحظة الرابعة تكمن فى غياب روح الفريق, وبالتالى إنعدام العمل الجماعى, وهنا تكون الخسارة الكبرى فى فقدان عقل جمعى من المؤكد أن نسبة الخطأ فى نتيجة محصلة جهده الذهنى تكاد تكون منعدمة, وكذا حرمان المجتمع محصلة قوة الأيادة المتشابكة إلى أيادى متضادة متنافرة تبذل جهدا ولا تعطى طاقة إنتاج, والخطورة فى سلب المجتمع حقه فى تحقيق رؤية جماعية تعنى محصلة البصائر والأبصار التى تتفاعل فيما بينها لتعالج أخطاء الفردية وقصورها, وهنا وحال غياب العقل الجمعى نفقد العِلم والرؤية, وحال فقدان مجهود الأيادى المتشابكة نفقد القدرة والطاقة.
وغيرما سبق من الملاحظات سيأتى ذكر غيرها تالياً, نجد مُهدداً وحيداً للحق فى الوجود الجمعى, وهو غياب الوعى بالمسئولية الجمعية, لذا فمقتضى الحال يذهب بنا لأهمية إعادة خلقها فى عقيدة كل فرد من أفراد المجتمع لتصوغ درعا واقيا من الفكر الجمعى يستطيع من خلال ثقافة ممارسة صور وأشكال المسئولية الكلية أو الجمعية أن يوجد مجتمعا يملك عقلاً جماعياً مبدعاً, وساعداً قوياً منافساً, خاصة والعالم فى ظرف تاريخى برهن على أن تحمل المسئولية الجمعية هو فقط السبيل للعبور من أزمة جائحة كرونا التى محصت مقولة ” الفرد للجميع والجميع للفرد” ولن يكون هناك بقاء دون إيمان عميق من الشعوب المتحضرة بمسئوليتها الجمعية فى المقاومة ومنافسة الوباء من أجل البقاء الجماعى وليس الفردى, وربما ذاك كان السبب وراء المواقف الانسانية الفذة التى تحلى بها أفراد الجيش الأبيض عند تعرضهم للفناء مقابل وهب الحق فى الحياة للآخرين, وربما فى القادم الحديث عن دحض مقولة ” اللى يحتاجه البيت يحرم ع الجامع ” والدور الإنسانى المصرى تجاه الشعوب المنكوبة, لنتجاوز حد المسئولية المجتمعية إلى المسئولية الإنسانية سعيا لأن تأتى ثقافة المسئولية بعبور جديد وانتصار نحن قادرون على تحقيقه.