إبان الحرب العالمية الثانية، تم توجيه النسب الأكبر من إنتاج المصانع، لصالح المجهود الحربي، للوفاء باحتياجات الجيوش المحاربة من شتى بقاع الأرض، وهو ما نتج عنه قلة المعروض للوفاء باحتياجات المواطنين. وأمام ذلك النقص، وما يقابلها من زيادة على الطلب، ظهر نهازي الفرص من رجال الأعمال؛ الصناعة، والتجارة، مؤسسين الأسواق الموازية، المعروفة باسم “السوق السوداء”، التي يحكمها جشع التجار، والموردين، من ناحية، وحاجة المواطنين من ناحية أخرى، فيوفروا السلع مقابل أضعاف أسعارها الحقيقية … ولما بدت عليهم مظاهر الثراء الفاحش، عرفوا باسم “أغنياء الحرب”.
وفي وقتنا الحالي، نعيش حرباً جديدة، للتصدي لفيروس كورونا المستجد، الذي أصاب العالم كله، فوقف على خط الدفاع الأول، في الصفوف الأمامية، لتلك الحرب، الجيش الأبيض العظيم؛ أطباء، وممرضين، وفنيو معامل، وجميع العاملين بالمستشفيات والمراكز الصحية، والطبية، وخلفهم الآلاف من العاملين في القطاعات المغذية، مباشرة وغير مباشرة، لذلك القطاع الحيوي، يقومون، جميعاً، بواجبهم على أكمل وجه، في تقديم الرعاية الصحية، لمصابي تلك الأزمة الكبرى، ومضحيين براحتهم، في سبيل تأدية الواجب المقدس. أولئك سيذكرهم التاريخ بأحرف من نور، وسيخلد دورهم العظيم، ويذكر شهيدهم، الذي بذل روحه، منذ أيام، أثناء تأدية واجبه، ولأولئك نقدم كل الشكر والتقدير والامتنان، داعين المولى، أن يحفظهم، ويحفظ جميع أبناء مصر، وأن تنقشع تلك الأزمة عما قريب.
وفي الوقت الذي تتكاتف، وتتحد، فيه جهود الدولة، والمواطنين، للعبور من تلك الأزمة، ظهرت، مع الأسف، فئة أغنياء الحرب، الباحثين عن سبل استغلال الموقف، لتحقيق ثروات شخصية، وتعظيمها. لم تظهر تلك الفئة الطفيلية في مصر، فحسب، وإنما طفت أينما ظهرت الأزمة، فتجد الرئيس الأمريكي، ترامب، في خطابه، يحذرهم من استغلال حاجة المواطنين، ويناشدهم رئيس الوزراء البريطاني، بالترفع عن تلك الممارسات البغيضة، وفي مصر يتوعدهم رئيس مجلس الوزراء، بأقصى العقوبات. وقد خضت، شخصياً، إحدى تلك التجارب الاستغلالية، عندما اشتريت عبوة 4 لتر من سائل الكلور، إنتاج شركة النصر للكيماويات الوسيطة، التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، بالقوات المسلحة المصرية، بسعر عشرون جنيهاً، بما يعادل مبلغ خمس جنيهات للتر الواحد، وفي نفس اليوم، مررت على أحد محلات السوبر ماركت، فوجدت عبوة الكلور، سعة لتر واحد فقط، تباع بمبلغ خمس وتسعون جنيهاً، والمواطنون مضطرون لدفع المبلغ، أمام حاجتهم للمنتج الموصي به في حالات التعقيم والتطهير!
وبسؤال السيد اللواء مختار عبد اللطيف، رئيس مجلس إدارة شركة النصر للكيماويات الوسيطة، عن الدور الذي تقوم به الشركة، في التعاون للحد من انتشار فيروس كورونا، والقضاء عليه، أفاد سيادته، أنه تم رفع الطاقة الإنتاجية لمصنع الشركة، حالياً، لتلبية كافة احتياجات أجهزة الدولة من وزارات، وهيئات، وجامعات، ومستشفيات، والهيئات التابعة للقوات المسلحة، بالإضافة لتلبية حاجات المستشفيات الخاصة، إذ ينتج المصنع مادة هيبوكلوريد الصوديوم (الكلور)، بتركيزات مختلفة، وفقاً لمتطلبات كل جهة، كما ينتج المصنع مادة فوق أكسيد الهيدروجين المضاد للفيروسات، إضافة إلى عبوات فردية من الكحول الإيثيلي، بتركيز 75%، وعبوات جيل لتطهير الأيدي، وكذلك عبوات منزلية من مبيدات الحشرات. وقد أكد اللواء مختار عبد اللطيف، توفر تلك المنتجات في عدد من منافذ جهاز الخدمة الوطنية، بأسعار تعادل خُمس مثيلاتها في الأسواق التجارية، مضيفاً “نحن لسنا أغنياء حرب … ذلك دور القوات المسلحة المصرية”، ومن كلمات سيادته اقتبست عنوان مقالي هذا.
ولمن لا يعلم، فإن شركة النصر للكيماويات الوسيطة تتولى، ضمن مهامها العديدة، تدبير مطالب جميع محطات مياه الشرب، التي كان يتم استيرادها، سابقاً، بالعملات الأجنبية، من الخارج. وقد أكد السيد اللواء مصطفى أمين، مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، بالقوات المسلحة المصرية، أنه قد تم الدفع بسيارات كبيرة، كمنافذ بيع، إلى مختلف أنحاء الجمهورية، لتوفير المنتجات لعموم الشعب المصري، وجاري تجهيز المزيد منها، للتيسير على المواطنين، وهذا واجب القوات المسلحة تجاه أبناء الوطن.
وكما ذكرنا “أغنياء الحرب”، فلن يفوتنا أن نشد على أيدي أصحاب القلوب الرحيمة، من رجال الأعمال المصريين، الذين قدموا العديد من التبرعات، لدعم قطاع الصحة في الدولة، والتي يتم توجيهها في إطار قرار السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، الذي أصدره سيادته منذ فترة، بإنشاء الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد الطبي، وتكون تبعيتها لمجلس الوزراء، برئاسة الدكتور بهاء الدين زيدان، مهمتها توفير كافة مطالب الدولة من الأجهزة، والمعدات، والمستلزمات الطبية، بأعلى جودة، وفقاً للمقاييس العالمية، ومن أفضل الشركات العالمية، وهو ما حقق فائضاً كبيراً في موازنة الدولة، إذ حصلت الهيئة الجديدة على خصومات ومزايا عديدة، عند الشراء المجمع، لكافة مستشفيات الدولة، العامة، والجامعية، والعسكرية، سواء التابعة لجهاز الشرطة، أو القوات المسلحة. وتيسيراً على الهيئة الجديدة في عملها، فقد تضمن قرار تأسيسها توفير مخصص مالي من “صندوق تحيا مصر”، يعينها على إتمام مهمتها، على أن يتم رد المبلغ من التبرعات التي تتلقاها الكثير من المستشفيات والمؤسسات الطبية المستفيدة من القرار.
وفي ظل إعلان المستشفيات الجامعية، عن حاجتها لتمويل، فوري، للمشاركة في التصدي لفيروس كورونا، سارع العديد من رجال الأعمال، لمد يد العون، منهم من لم نعرف عنهم، ومنهم السيد محمد السويدي، الذي تبرع بمبلغ أربعة عشر مليون جنيه مصري، ومنهم السيد معتز الألفي رئيس مجلس إدارة، والعضو المنتدب، للشركة المصرية الكويتية، الذي تبرع بمبلغ خمسة عشر مليون جنيه مصري، تم توجيههم للهيئة المصرية للشراء الموحد، بمجلس الوزراء، لتلبية حاجة المستشفيات الجامعية، من أجهزة التنفس الصناعي، ورفع كفاءتها، للتعامل مع المستجدات الحالية.
والحقيقة أن أصحاب القلوب الرحيمة، ليسوا، فقط، من رجال الأعمال، وإنما، كذلك، من البسطاء الذين لم يبخلوا على وطنهم، ولو بالقليل من المال، أو الكثير من الجهد، والالتزام، للحد من انتشار ذلك الفيروس اللعين … أما أغنياء الحرب، فعليهم من الله ما يستحقونه!