ليس انحياز أن أقول أن أزمة وباء كورونا كشفت عن المعدن الأصيل للشعب المصرى وعن القدرات الكامنة للدولة المصرية التى تميزها عن أى دولة أخرى, ولكنه الواقع الذى يؤكد هذه الحقيقة ويرسخها ويصقلها ويجعلها أكثر وضوحا ولمعانا وبهاء, فى كل مرة أجد نفسى مبهورا بهذه الدولة التى تأتى عليها الأحداث والمحن لتؤكد أنها دولة ذات طبيعة خاصة وقدرات خاصة, تخرج من كل أزمة ومن كل محنة أكبر مما كانت عليه, فى كل مرة ومع كل محنة يراهن البعض أو الجميع على السقوط المدوى للدولة المصرية ثم تخرج أكبر وأقوى وأكثر تماسكا مما كانت عليه, وشعب هو الأخر يؤكد أنه ذو طبيعة خاصة قد تختلف عن كل شعوب العالم, شعب يتحدى المستحيل يصنع من المحنة محنة ومن الأزمة نقطة انطلاق ومن الفشل نجاح ومن اليأسأمل.
ليس من قبيل الشعر ولا الغناء هذه الشهادة وهذه الإشادة بالروح وبالشخصية المصرية وبالدولة المصرية, وإن كانا الشعر والغناء أحد الملامح الرئيسية التى تميز الروح المصرية والشخصية المصرية عن غيرها, وتميز المشهد المصرى عبر سنوات طويلة من العمل والمقاومة والألم والإبداع والتفوق والنبوغ, ولكنه الواقع وما تحقق على أرض مصر على مدار السنين والذى يبقى شاهدا أعظم على نبوغ وعبقرية الشخصية المصرية فى كل المجالات فى السياسة والعسكرية والبناء والطب والهندسة والعلم بكل فروعه وتطبيقاته كما هو فى الإبداع والأدب والفنون جميعها من الشعر إلى الموسيقى ومن الرسم إلى الغناء ومن النحت إلى التمثيل.
المحن تجعل من مصر دولة أكثر قدرة على التحدى وأكثر قدرة على الإستمرار, سمات ومزايا وقدرات خاصة وهبها الله للمصريين لهذا الشعب تظهر جلية واضحة فى المحن والأزمات هى من تحرك السلوك المصرى وتوجهه, فمصر هى من قال عنها وبحقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه: “إذا دخلتم مصر فإتخذوا من أهلها جندا كثيفا فهم خير أجناد الأرض”, القضية التى يتمحور حولها الحديث هنا هى حقيقة وجوهر هذا المعدن الأصيل لهذا الشعب الذى يجعل من جنده خير أجناد الأرض ويصنع من هذا الشعب ماردا عملاق قادر على التحدى, ويخرج من هذه الدولة كل هذه القدرة وهذاالرسوخ والاستقرار عبر كل هذه السنوات رغم المحن والأزمات والكوارث.
أطاحت أزمة وباء كورونا بالعديد من دول العالم المتقدم من الصين إلى فرنسا ومن كوريا إلى أمريكا ومن تركيا إلى بريطانيا ومن إيطاليا إلى أسبانيا ومن إيران إلى المانيا, ضربت بقيم العالم المتحضر وحضارته ونظمه السياسية والاقتصادية والصحية والطبية وأخلاقه ومثله, سار البعض يسرق الأدوات والمعدات الطبية, يستولون عليها فى مشهد عبثى وغير أخلاقى كما يسعون للحصول على الأطباء والعلماء والاختراعات العلمية بأى ثمن, ضربت الأزمة الروح المصرية
أوصال التكتل الواحد الذى ظل مثالا يتباهى به الجميع كونه نموذجا للوحدة فى أسمى معانيها وصورها ثم أصبح مثالا على الأنانية والتقوقع والتشرزم, أصبح الإتحاد الأوروبى قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
تأتى أزمة كورونا على مصر فإذا بها أقوى وأكثر ثباتا وروسخا وأكثر قدرة على التحدى والإصرار رغم الشائعات والتشكيك والترصد, وفى وقت كان البعض يتوقع لها عكس ذلك, كان البعض أو الكثيرون يتوقعون لها كارثة لاتبقى ولاتذر وتصريحات السفير الفرنسى بالقاهرة ـ والفيديو موجود على اليوتيوب ـ خير دليل وخير مثال فهو من قال: “إن مصر ستعزل عن بقية دول العالم وستكون الأوضاع صعبة جدا”, ثم تمر الأيام وتتوالى أحداث كورونا لتصبح فرنسا هى الأقرب أن تعزل عن العالم كله بإصابات تقارب المائة الف وحوالى 9 الآف متوفى حتى كتابة هذه السطور الثلاثاء 7 إبريل .
أزمة كورونا كغيرها من الأزمات النى مرت على مصر وخرجت منها أكثر قوة وأكثر تماسكا وانتصار والمثال القريب ثورة 25 يناير 2011 وما شهدته من أحداث وقلاقل وفوضىكانت كفيلة بإسقاط الدولة كما سقطت دول عديدة, ثم ما كان من محنة الإرهاب الأسود لاسيما بعد أن غير الشعب المصرى مساره وكانت ثورة 30 يونيو 2013 فكان ما كان من إرهاب الإخوان ومن على دربها من جماعات البغى والضلال وهى المحنة التى أظهرت قدرات مصر وطاقاتها الكامنة وما يتمتع به المقاتل المصرى من روح وحرفية, لم تخرج دولة واحدة من الدول التى شهدت أحداث ما يطلق عليه الربيع العربى أكثر تماسكا وأكثر قدرة وقوة وأكثر انفتاحا على العالم وعلى المستقبل وأكثر رغبة فى الانطلاق بهذا الكم من المشروعات القومية العملاقة إلا مصر, والتاريخ كله من قديمه إلى حديثه خير شاهد على هذه الحقيقة التى تتجلى فى مصر وحدها.
فى دولة يؤكد رئيسها منذ البداية على أن الهم الأول للدولة هو سلامة المصريين ولاإعتبارات لأى خسائر مالية, ويصدر العديد من القرارت من تخصيص مبلغ ال 100 مليار جنيه إلى دعم المتضررين والعمالة المؤقته بمبلغ 1500 جنيه على ثلاثة اشهر وإسقاط الضرائب عن المنشآت السياحية وتأجيل دفع ماعليها من مستحقات, فى دولة يمد رئيسها يد العون لدول ضربها وباء كورونا بقسوة فكلف وزيرة الصحة بالسفر إلى دولة الصين ثم إلى إيطاليا حاملة المساعدات الطبية رغم الأزمة ورغم الخطر,دولة تعلى من قيم الإيخاء والإنسانية وتضرب للعالم أروع الأمثلة لاسيما وأن الأخرون مارسوا البلطجة واستولوا على المساعدات عنوة, فى دولة ينشط فيها المجتمع المدنى وتتسابق الجمعيات الخيرية على تقديم الدعم والمساندة, وتضرب أوساط وفئات خير الأمثلة على التضامن والتكافل, وكان البعض يعتبرها مثالا على الأنانية وحب الذات فتجدها مثالا للتضحية والفداء والتعاون, عندما يستجيب الرياضيون والفنانون لمبادرة إحدى الجمعيات الخيرية ويقومون بالتبرع لمساعدة المتضررين من أزمة وباء كورونا من العمالة المؤقتة, وإتحاد بنوك يقدم مبادرة غير مسبوقة فى تاريخه بتقديم تبرعات مالية ضخمة للدولة لمساعدتها على تخطى الأزمة وتقديم الدعم والمعونة للمتضريين, فى دولة يستمر فيها العمل فى جميع المشروعات القومية دون أى تأجيل ودون أدنى توقف رغم الأزمة ورغم الخسائر الباهظة لاسيما فى قطاعى السياحة والطيران ورغم ذلك يتواصل العمل بنفس الروح ونفس الهمة دون كلل أو ملل أو إحباط .
إنها مصر ياسادة التى كانت ومازالت وستستمر بعون الله دولة كبيرة عصية على السقوط أو الانهيار أكبر من الأزمات والمحن .