اللي مالوش أم .. حالة يغم.. لا أدري إن كانت هذه الكلمات من الأمثال الشعبية أو حكمة قديمة.. أو أنها تعبير عن حالة احتياج دائم للأم بكل تفاصيل هذا الاحتياج مهما بلغ المرء من العمر ومهما تغيرت حالته الاجتماعية من العزوبية إلي الزواج إلي إنجاب الأبناء.. دائما يحتاج الواحد منا إلي حضن دافئ ، وملاذ آمن لا يدركه فيه الهم والغم والحزن ، ولا يخجل أن يطرح فيه الهموم والمشاكل بين يدي أمه فيري منها ما يري ويسمع منها ما يسمع فتهدأ سريرته وتستقر نفسه بعد أن يحصل منها علي شحنة عاطفيه تعينه علي الحياة وأهوالها ، وتفتح أمامه أبواب الأمل الموصدة ، وتضيء له شمعة في عتمة الليل البهيم .
في عيدها من كل عام نتحدث ونتذكر تضحياتها منذ حملته وهنا علي وهن وفصاله في عامين حيث رفع الله قدرها فساوي بين الشكر له وللوالدين إكراما لها فقال (أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير )
هي التي حملت ووضعت وأرضعت وأطعمت وسهرت الليالي وتألمت وفرحت ، وكان دعاؤها بين الأمل والرجاء أن يحفظ وليدها من كل سوء وشر ، وأن يرزقه الخير ويبارك فيه .
في عيدها .. لا ننسي كل تضحياتها ، ولا حالة الإيثار المستمرة لنا علي حساب نفسها .. ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة .. ولا ننسي مهما وصلنا إلي أرذل العمر أن نستدعي لحظات السكينة والوداعة بين ذراعيها ، ولحظات هدهدة النوم في حجرها ، وتمتمات الدعاء بصوت خفيض قبل أن تغفو العيون وتذهب في نوم عميق ، ولحظات السعادة والرضا علي وجهها وهي تقدم الطعام المحبب لنا وتسعد عندما تسمع .. تسلم إيديكى يا ست الكل ، فترد في لهفة .. مطرح ما يسري يمري يا نور عيني .. بالهنا والشفا .
ربما لا تكون أمي أجمل النساء .. لكني أراها أجمل نساء الدنيا ، وأحن مخلوقات الله ، وأرق ما في الكون منذ خلق الله البشر ..
تحية لكل أم في عيدها ، وتعظيم سلام لكل أم شهيد كانت تنتظره يدخل عليها ويقبل يدها ، ويضع قبلة العرفان بالجميل فوق رأسها ويقول لها كل سنه وانتى طيبة يا أمي .. تعظيم سلام للأم التي ودعت وليدها إلي مثواه الأخير راضية مرضية ، ومحتسبة وقانعة بقضاء الله وقدره .. تعظيم سلام لأم الشهيد التي كانت تنتظر أن يحملها وليدها إلي دار البقاء ويتقبل العزاء فيها فإذا هي تحمله وتودعه وتواريه التراب.. تعظيم سلام لأم الشهيد التي كانت تقول له .. ربنا يجعل يومي قبل يومك فإذا هو يسبقها إلي الجنة في انتظار أن تلحق به .. رحيل الوليد حدث جلل لا يدرك آلامه إلا من كابد آلام هذا الرحيل
في هذا اليوم تعاني الأم آلام الفراق وحنين حضن الابن الشهيد الذي كان يملأ عليها الدنيا .. في هذا اليوم تأخذها الذكريات إلي بداية الرحلة منذ كان جنينا في أحشاءها ، ومنذ سمعت صرخته الأولي وهو يستقبل دار الاختبار العظيم ، وتتذكر وهو يلقف صدرها بحثا عن قطرة لبن تشبعه فيأخذه النوم في حضنها ، وتتذكر وهو يحبو أمامها علي أربع ، وهو يحاول أن يمشي فيتعثر فينخلع قلبها عندما يسقط علي الأرض ، وهو يشب عن الطوق ويرفل شابا يافعا ، وهو يدخل عليها بزيه العسكري .. جيش أو شرطة.. ضابط قد الدنيا .. تتذكر كانت تقول له .. بسم الله ما شاء الله ربنا يحرسك من العين ويكفيك شر الطريق وشر عدوك ..
في هذا اليوم تتذكر كل همسة ولمسة وكلمة وحرف .. تتذكر آخر كلمات سمعتها منه .. ثم تحتسب وتفخر وتفرح بفوز وليدها بالشهادة .. وليدها في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أؤلئك رفيقا .
في عيدك يا أم الشهيد .. يا أم الصابرين .. كل عام وأنت بخير .. كل عام وأنت علي يقين من شفاعته لك يوم القيامة .. الشهيد يشفع عند الله في سبعين من أهله .. كل عام وكل الأمهات بخير ، ودائما تعظيم سلام لأم الشهيد