لا شك أن مصر منذ اندلاع أزمة فيروس “كوروننا المستجد” تتخذ من التدابير الوقائية ما يحول دون الإصابة بهذا الفيروس بشكل وبائى يحصد أرواح المئات وربما الآلاف، وكانت آخر هذه التدابير تعليق الدراسة في الجامعات والمدارس لمدة اسبوعين اعتبارًا من أمس الأول الأحد الموافق ١٥ مارس ٢٠٢٠، وذلك في إطار خطة الدولة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة بسبب هذا الفيروس اللعين، كما وجه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بتخصيص ١٠٠ مليار جنيه لتمويل هذه الخطة وما تتضمنه من إجراءات احترازية.
وكان مكتب منظمة الصحة العالمية في مصر قد أصدر تحذيرا للمواطنين بتجنب المصافحة والسلام بالأيدي بين الأشخاص، ولمس العينين والأنف والفم، والتحيات التي تقتضي ذلك كالأحضان، وأكدت المنظمة أن “فيروس كورونا” من الفيروسات التنفسية التي قد ينتقل عن طريق هذه الأفعال، مطالبة المواطنين بتحية الناس بطرق أخري مختلفة غير المصافحة والتقبيل والأحضان.
وكل ذلك حق واجب من قبيل الأخذ بالأسباب، والحرص على حياة الناس، وأداء الأمانة التى هى حق الرعية على الراعى، ولكن قد يرى البعض أن ظهور هذا الفيروس فى الصين هو من قبيل العقاب الإلهى، مستدلين بقول الله تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:42-45].
ومنطوق الآية نفهم منه أن الله تعالى قد يعاقب خلقه حتى يعودوا إليه، لأن النفس مجبولة على اللجوء إلى الله عند الشدائد، فإن لم يعودوا ويرتدعوا، فقد يفتح الله عليهم الدنيا وهي الفتنة الأشد، ويؤيد ذلك ما قاله السعدي في تفسيره: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ” من الأمم السالفين، والقرون المتقدمين، فكذبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا. “َأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ” أي: بالفقر والمرض والآفات، والمصائب، رحمة منا بهم. “لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ” إلينا، ويلجؤون عند الشدة إلينا. “فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ” أي: استحجرت فلا تلين للحق. “وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” فظنوا أن ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان. “فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ” من الدنيا ولذاتها وغفلاتها. “حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ” أي: آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم.
فإذا كان ذلك من قبيل الوعيد لهؤلاء الذين أشركوا بعبادة الأصنام فى زمن بعثة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليحذرهم أن يسلك بهم إن هم تمادَوا في ضلالهم سبيلَ من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، في تعجيل الله عقوبته لهم في الدنيا ومخبرًا نبيَّه عن سنته في الذين خلوا قبلهم من الأمم على منهاجهم في تكذيب الرسل، فقال له: ” لقد أرسلنا “، يا محمد، “إلى أمم “، يعني: إلى جماعات وقرون “من قبلك فأخذناهم بالبأساء”، حين أمرناهم ونهيناهم, فكذبوا رسلنا، وخالفوا أمرنا ونهينا، فامتحناهم بالابتلاء “بالبأساء”، وهي شدة الفقر والضيق في المعيشة “والضراء”، وهي الأسقام والعلل العارضة في الأجسام.
فالشاهد من ذلك أن الله قد يبتلى عباده بمثل هذه الأوبئة حتى يفيقوا من غفلتهم ويلجأوا إليه بالدعاء والتضرع إليه، حتى يكشف عنهم هذا البلاء ويكون هذا التضرع وذلك الدعاء هو خير وقاية إن شاء الله تعالى.
Ibrahim.nssr@gmail.com