إبراهيم نصر يكتب : لا شماتة فى الموت

شهد شهر فبراير الماضى رحيل ثلاث قامات كبيرة كان لها عظيم الأثر فى حياتنا السياسية والدينية على حد سواء، وهم على ترتيب الوفاة: الدكتور محمد عبد الحليم عمر أستاذ الاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر، والرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وأخيرا الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامى المعروف، وعضو هيئة كبار العلماء.
واسمحوا لى أن أتوقف قليلا عند رحيل الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك الذى وافته المنية عن عمر يناهز 92 عاما، وقد أفضى إلى ما قدم وحسابه على الله ولا تجوز عليه إلا الرحمة، وذلك بمنطق النبلاء الأوفياء الذين لا يعرفون الشماتة فى الموت أو التشفى الرخيص فى الأحياء أو الأموات.
ولا أخفى على القارئ العزيز ما أعلنته منذ اندلاع أحداث يناير، التى لا أحب تسميتها ثورة لفقدانها أهم شروط الثورة بتعريفاتها المختلفة، وهذا رأيى الذى لا أخجل من إعلانه، ولا أخجل كذلك من القول بأن الرئيس مبارك عاش مكرما ومات مكرما، ونسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يعامله الله بكرمه وفضله وأن يتجاوز عنه، لما قدمه لوطنه كأحد قادة وأبطال حرب اكتوبر المجيدة، حيث تولي قيادة القوات الجوية أثناء الحرب التي أعادت الكرامة والعزة للأمة العربية.
ورغم هذا التكريم الأخير المتمثل فى الجنازة العسكرية والحضور رفيع المستوى للجنازة التى كان على رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسى وكبار الشخصيات، إلا أن البعض أبى إلا إظهار الشماتة فى موت مبارك، وذلك خلق ذميم لا يجب على المسلم أن يفعله، لأنه خلق الضعفاء وفيه تحقير للآخرين والإسلام ينهانا عن تحقير الغير، وهو أيضا خلق الكافرين والمنافقين الذين قال اللّه فيهم: “إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ”، فليعلم الشامتون بغيرهم أن الأيام دول والشاعر الحكيم يقول: “فقل للشامتين بنا أفيقوا .. سيلقى الشامتون كما لقينا.
وعلمنا أشياخنا الفضلاء أنه لا يوجد في الدين الإسلامي شماتة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث أخرجه الإمام الترمذى: “لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك”، وتساءل: “من يشمت فى غيره هل ضامن أنه سيموت سليمًا معافى فقد يبتليه الله بما شمت فى غيره؟”، وهذه الشماتة لا تجوز شرعًا فى الأموات أو الأحياء، بل يجب أن ندعو للميت بالرحمة والمغفرة، ولكل مريض أن يعافيه الله ويمتعه بالصحة والعافية وأن يصبره حتى يعافيه على ما ابتلاه.
أما الدكتور محمد عبد الحليم عمر، فقد كان محبا لعقيدتى وأحد أهم كتابها منذ نشأتها، وقد تدرج – يرحمه الله –  في الوظائف الأكاديمية حيث عين معيدا بكلية التجارة جامعة الأزهر حتى وصل إلي الأستاذية فيها وتولى إدارة مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر من عام 1996 وحتى 2009، وقام بالتدريس في العديد من الجامعات العربية ومنها كلية الدراسات التجارية بدولة الكويت وجامعة أم القرى بمكة المكرمة بالإضافة إلي عضويته في غالبية مؤسسات الاقتصاد الإسلامي في العالم، وله إنتاج علمى غزير حيث وصلت مؤلفاته 73 كتابا وبحثا.
رحم الله الدكتور عبد الحليم عمر رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وبالمنطق نفسه الذى بدأت به المقال أترحم على العالم الكبير الدكتور محمد عمارة الذى لا تجوز عليه إلا الرحمة رغم الاختلاف الشديد معه فيما أعلنه عقب فض اعتصام رابعة.
ibrahim.nssr@gmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.