رجب الشرنوبي يكتب : سد النهضة..أثيوبيا..وماذا بعد!

أعتقد ودون أدني شك وربما يشاركني قطاع كبير من المصريين بأن ماحدث بعد الخامس والعشرين من يناير له من التبعات المباشرة وغير المباشرة التي ألقت بظلالها علي سير مفاوضات سد النهضة طوال الخمس سنوات الماضية ، وصولاً إلي ماحدث أمس في واشنطن وغياب الطرف الأثيوبي ضارباً بما تم التوصل إليه عرض الحائط ، أستطيع أن أؤكد هذا الإعتقاد رغم أنني مؤمن بحقيقة أخري وهي أن السنوات الأخيرة في حكم الرئيس مبارك ، وبالتحديد منذ تدخل العائلة في القرار السياسي والإقتصادي بشكل مبالغ فيه، تعتبر من أول الأسباب المباشرة لما حدث أثناء يناير وحتي مانحن بصدده الآن ، فكل ماحدث بعد يناير وحالة الترهل واللادولة التي أصبح عليها الوضع في مصر، من المؤكد أنها كانت المحفز الأول للأثيوبيين للإقدام علي ماحاولت أثيوبيا فعله قبل ذلك عدة مرات ، ولم يمنعها كل مرة إلا حسابهم لقوة رد الفعل المصري تجاههم ، فأثيوبيا وغيرها تعرف مدي أهمية نهر النيل للمصريين .
وبصرف النظر عن ماآلت إلية الأمور في مصر طوال الفترة من يناير وصولاً إلي ثورة الثلاثون من يونيو إلي بداية مسئولية الرئيس السيسي ، فجميعكم يعرفها أكثر مني حتي وإن أختلفت وجهه نظر البعض حولها، المهم ماهي قدرة الدولة المصرية داخلياً وخارجياً بعد هذه السنوات من العراك والتشابك والتآمر علي وطن، بدأ يعاني من تشوهات أستهدفت ملامحة الخارجية إلي جانب ضعف واضح ووهن في بنيته الداخلية بدأت أعراضه تتفاقم يوماً بعد يوم طوال هذه السنوات الأربع ، ولكن ماذا عن مايجري هناك علي أرض منابع النيل؟؟ ماذا يحدث علي أرض الأورمو”منطقة بناء السد ” ماذا تم علي سد النهضة؟؟!! ماهو موقف المخلوع عمر البشير من بناء السد ؟؟!!
عموماً بدأ الرئيس السيسي ترتيب البيت من جديد بعد هذه السنوات العجاف ، فبناء الوطن من الداخل وتقوية عضاله كان يبدو أنها أول الأولويات ، ولكن علي التوازي من ذلك كان هناك عمل خارجي يجب ألا يتأخر أكثر من ذلك ، فمصر في ذلك التوقيت كانت قد وصلت إلي مايشبه العزله ، وكان التواصل مع الأشقاء الأفارقة شبه مقطوع إلا قليل منهم بعد حادثة أديس أبابا الشهيرة في العام ستة وتسعون من القرن الماضي ، والقوات المسلحة لم تشهد تحديثاً منذ سنوات ، والتآمر من الداخل والخارج لم ينتهي ، والأهم أن جزء كبيراً من بناء السد قد أُنجز والتواجد الأجنبي في القارة يزداد والدعم لأثيوبيا من أطراف معادية مستمر والتخطيط لتطويق مصر جاري علي قدم وساق وليس أدل علي ذلك من إتفاق البشير والرئيس التركي حول الإستثمار العسكري لجزيرة سواكن السودانية ، ومايحدث الآن علي الأراضي الليبية التي ترتبط بمصر بحدود تتعدي الألف ومائتي كيلو متر لهو دليل واضح علي أهمية إدارة الصراع حول المصالح الوطنية المصرية ، في ظل وجود كل ماسبق وغيره كثير ، بدأت الإدارة السياسية الحديث والتفاوض حول مسألة سد النهضة ومحاولة إنقاذ المصالح الحيوية الوطنية ، ولكن هناك سؤال يبدو في غاية الأهمية: هل كان يمكن للدولة المصرية تجنب المفاوضات والسير في مسار آخر”مسار عسكري مثلاً” في هذا التوقيت ؟؟!!
أعتقد جازماًبعد قراءة متأنية لكل ماحدث بأنه لو عاد الزمن بهذه السنوات الخمس لسارت مصر في نفس المسار، لأنه ببساطة لم تكن المعطيات المتوافرة داخلياً وخارجياً تتيح بإختيارات أفضل مما تم السير فيه ، فلم تكن مصر في وقت أضعف مما كانت عليه في تلك الفترة التي خلفتها السنوات التي سبقتها ، ولكن بعد هذا الذي حدث وماتم التوصل إلية من نتائج هل يمكن أن تستمر الأمور بهذا الشكل من تعنت أثيوبي وصبر مصري وأعمال تستكمل ؟؟!! بمعني آخر هل تسمح مصر لأثيوبيا بوضعها أمام الأمر الواقع ؟؟!!
بعد هذا المجهود الضخم الذي بذلته مصر خلال السنوات الماضية بقيادة إدارتها السياسية علي المستويين الداخلي والخارجي ، وبعد إعادة العلاقات المصرية الخارجية لأحسن مما كانت عليه قبل يناير ، وبعد وضع داخلياً يتحسن بوضوح كل يوم وبعد تضحيات المصريين بأبنائهم وأرزاقهم في مواجهه هذا الإرهاب الأسود الذي كان يستهدف كل مواطن مصري ، يجب أن تتغير لغة مصر ولهجتها في التعامل مع هذا الملف من الآن فصاعداً ، فمصر الآن لديها جيشاً في المرتبة التاسعة وفق آخر ترتيب ووضعها الإقتصادي قد تحسن كثيراً وتشهد الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية بذلك ، أعتقد أن مصر الآن تملك من الدعم الدولي مايمكن أن يساعدها ويقف إلي جانب المصالح المشتركة والملفات الواحدة مايساعدها علي إتخاذ موقف أكثر صرامة ، ويشهد التقارب الروسي الألماني الصيني الفرنسي مع مصر في التعامل مع الملف الليبي مثلاً مايعضد وجهه نظرها إن هي أتخذت موقف أكثر حدة ، حتي لو كان الموقف الأمريكي لم يتخذ موقف واضحاً ، فأمريكا شاهدة علي الفصول الأخيرة من هذا المارثون التفاوضي الشاق وكان تحت نظرها وعلى أراضيها وهي شاهدة أثبات علي تعنت الدولة الأثيوبية ، ماأخلص إليه في نهاية هذا المقال أننا كمصريين يجب أن يكون لنا موقف ورد واضح علي ماحدث وبأقصى سرعة ، ولو أضطرت للدخول في صفقات سياسية أو إقتصادية أو حتي الخيار العسكري إن لزم الأمر ، فليس بعد المصلحة الوطنية أهمية ، وهذا نهر النيل “شريان الحياة للمصريين ” المهم ألا تتضيع هيبة مصر في محيطها الأقليمي والأفريقي الذي بذلت فيه مجهوداً كبيراً لإسترجاع علاقاتها فيه أحسن مما كان عليه قبل ذلك ، وأعتقد أنها نجحت فيه بأمتياز خصوصاً مع رئاساتها للدورة الأخيرة لإتحادها الإقليمي “الإتحاد الأفريقي” وأعادت الكثير من علاقاتها بدول القارة للحياة مرة أخري ، أعتقد أن مصر ٢٠١١ ليست هي مصر ٢٠١٥ كما أنها بالتأكيد ليست مصر ٢٠٢٠، ولكل وقت حسابات تتفق مع مالدينا من معطيات هي ومانستطيع أن ننجزه من قرارات .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.