حين أهداني الأستاذ أنور عبد اللطيف كتابة القيم جدا ” فلما بلغ الأربعين ” توقفت كثيرا عند الرقم الذي يبدو لي سرا لم يتم تفسيره حتي الأن, رقم خاص جدا يفصل بين حياتين قبل سن الأربعين وبعدها, رقم عجيب, ذا صلة وثيقة بالأديان السماوية حيث ذكر في القران الكريم اربع مرات, في سورة البقرة ” وإذ واعدنا موسي أربعين ليلة ثم أتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون” وفي سورة المائدة ” قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تاس علي القوم الفاسقين” وفي سورة الأعراف ” فتم ميقات ربه أربعين ليلة ” وفي سورة الأحقاف ” حتي إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك “
لكن الأربعين هنا حكايات في الناس والطيور والحمير والقمح, أربعين وجها ومئات الأبطال فصول من حياة حقيقية بأحداثها وشخوصها, فور الانتهاء من مقدمته الشيقة تسبح في التفاصيل التي تجد نفسك أحدها أو أحد أفراد أسرته وربما أحد عناصر تجربته في الحياة خاصة لو كنت ذا علاقة بالعمل الصحفي, فكم كانت دهشتي ان تكون البدايات الصحفية قبل انتقاله للأهرام مع الأستاذ أنور زعلوك حين كان يصدر صحيفة الحقائق من شرفة منزله بالمنيل, لكن أحد أقاربه كان يعمل سفرجي في منزل السيدة نوال المحلاوي مديرة مكتب محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام أدرك بفطرته أن الصحافة مهنة مؤسسات لا تدار من البيوت وتطوع لإخذ ميعاد معها وبالفعل حصل علي كارت توصيه إلي رئيس قسم السكرتارية الفنية, ورغم إقالة الأستاذ هيكل منذ أربع سنوات والتضييق علي كل فريقه فيما بعد لكنه أكتشف مكانة السيدة واحترام القيادات لها حتي بعد رحيل الأستاذ, وهناك تعلم إن الكارت يفتح لك الباب لكن من يضمن الاستمرار هو الكفاءة ودليله بالأسماء أن معظم من دخلوا الصحافة بكروت توصية أثبتوا النبوغ وكانت الكروت مجرد أسباب.
بين دفتي الكتاب ربما تجد ذاتك معني في قصيدة للشاعر محمود درويش, كأبيات رسالة من المنفي أو مديح الظل العالي أو حالة حصار, أو أبيات فكر بغيرك لا تنس شعب الخيام, وأنت تنام وتحصي الكواكب, فكر بغيرك ثمة من لم يجد حيزا للمنام.
كان لحرب أكتوبر النصيب الأكبر ليس فقط بسبب شقيقه الشهيد والذي لم يعثر له علي أثر حتي الأن ولكن للآلاف الجنود الذين لم يحصلوا علي نجوم ولا نياشين, وكان بعضهم خلف خطوط العدو لاستطلاع التحركات وكانوا سببا في النصر.
من هؤلاء “سيدان لم يجدا حيزا للمنام” سيد عبد اللطيف وسيد عبد النبي مصطفي الذي يروي قصته جنرال سبعيني أسمه طلبه رضوان قائد الفصيلة رقم 3 كتيبه12 بالجيش الثاني الميداني كان ملازم أول حين كتب رسالة إلي رئيس شركة المقاولون العرب يصف فيها الحزن في عيني الجندي السيد عبد النبي الذي كان سائقا علي “تراكتور” بالشركة بمبلغ كان كافيا لستر أسرته ورعاية أبويه المسنين , لكن بعد تجنيده صار عاجزا أمام مطالب الحياة وطالب الموافقة علي حجز مكانه في الشركة ليطمئن إلي مستقبله بعد انتهاء خدمته. وبعد أسبوع جاء خطاب وبه الرد بالموافقة وحين علم قائد الكتيبة أخرج من جيبه خمسة جنيهات للسفر للقاهرة بصحبة الجندي مع أول ضوء نهار لمقر الشركة لتوقيع عقد يبدأ سريانه من تاريخ التحاق سيد بالقوات المسلحة وحرر شيكا براتب سنه سابقه وبعد عودته للكتيبة صار من أكفأ العناصر لكنه استشهد في 16أكتوبر في تبه الشجرة حين كثف العدو هجماته وكان يراقب تحركات العدو فألقي بجسده فوق الملازم ليفتديه بروحه, الجنرال قام بشراء قطعة أرض في نفس مكان عمليات الفرقة 16مشاة وزرع فيها الزيتون ومازال يحلم بجني الثمار لتوزيعها مجانا علي كل عابر سبيل.
ذكريات مع الرواد توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وبنت الشاطئ ويوسف إدريس وحديث نادر مع صلاح جاهين وعبد الوهاب والابتسامة الثالثة للرئيس عدلي منصور بعد ثورتين, وأستغيث بسفينة محمد قبل الطوفان والقصة الفائزة بجائزة إحسان عبد القدوس.
في علم الأرقام أربعين يرمز للصبر والعزم, وفي القصص أستمر الطوفان أربعين عاما متصلة, و الوحي نزل علي سيدنا محمد في سن الأربعين وغاب عنه أربعين يوما, أطوار خلق الجنين في بطن أمه أربعين يوما,يا له من رقم عجيب.