جيهان عبد الرحمن تكتب : تكاثر الحيوانات والكتب !

في جولة سريعة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 51 والذي أشهد له بالتنظيم الحضاري, والرقي والنظافة والمتعة والبهجة خاصة مع الفرق الموسيقية التي أزعم أنها اختارت أغاني وألحان بعناية نجحت في جذب جميع الأعمار, ولعلي أدين للمعرض هذا العام بقضاء يوم ممتع بصحبة أسرتي, خاصة وهو يضم هذا العام 808 جناح ونحو900 دار نشر, ,لكن لم يعكر صفو يومنا إلا بضعة عناوين غريبه جدًا لم أكن ليخطر ببالي يوما أنها ستكون علي غلاف كتاب في معرض هام, اختار جمال حمدان ليكون شخصية هذا العام.

اختارت ابنتي كتاب عنوانه مدمن نجاح وعنوان فرعي ” جراح نفوس”, يبدو أن الكاتب فتن الشباب وقد أستطاع بالإعلانات والمسابقات والهدايا أن يجيشهم حتي يقفوا بالساعات في طابور طويل من أجل الحصول علي توقيعه والكتاب يخلو من أية قيمة تذكر, أتخير لكم مقطع بسيط منه لتقفوا معي علي حجم الكارثة.. في صفحة 16, حوار بين مجموعة من الأصدقاء, يا عم عليا النعمة المصري ما كان بيطيقك, ولا أنت كنت بتطيقه الله يرحمه بقا مش حوار يعني. يصيح في وجهه أحدهم: قولتلك متترحمش عليه دا ميت كافر…يعنفه أخر – يا عم غور بدين أمك اللي أنت واجع دماغنا بيه دا.-أنت كمان بتسب الدين يا ملحد! أنا همشي من القعدة اللي كلها نجاسة دي. يصرخ بصوت عال, وهو يصيح –اتكتمووووا بقاااا اسكتوا همووووت يقول احدهم, وهو يمسك الهاتف بيده: يا نهار لايكات دا الفيس مقلوب!

وعلي الغلاف الخلفي للكتاب. خليك مختلف, العالم مش محتاج نسخ كتير أوعدكم إني هفاجئكم باللي في الكتاب لسببين الأول إنك هتلاقي فيه كل صحابك وحبيبك وحتي العرر في حياتك! والثاني هتعرف منه طريق النجاح ببساطة .

في الحقيقة لم أجد فيه سوي طريق الانحدار للهاوية خاصة وأن هناك عناوين أخري لا أدري بأي ضمير كتبت ونشرت وعرفت طريقها إلي معرض للكتاب, علي سبيل المثال, تزوجت أخي, وأرض البورنو, وخطيبتي العذراء حامل, ومدموزيل حتي التاسعة مساء, بلا رجال افضل, طلق مراتك تحبها أكثر, طلقني, أنت طالق, صديقتي ملحدة وفيه ان الإلحاد قضية إنسانيه توازي قضية الإيمان, والرجال يغسلون أكثر بياضا, و يستهلوا الدبح.

عناوين شاذة تكفي وحدها لتدمير جيل من الشباب لكن المصيبة الأكبر أن يضم كتاب اللغة العربية للصف الثاني الابتدائي المطور حديثا. درس بعنوان التكاثر عند الحيوانات, أكتشف وأبحث, وفيه كان أحمد يتجول في حقل من الحقول وسأل عن سبب الأصوات الغريبة التي يسمعها من الأبقار, تري ما هي إجابة الراعي لأحمد؟ ماذا يفعل طائر الطاووس؟ لماذا يفعل ذلك؟ ثم أربط كل حيوان بسلوكه في فترة التكاثر, الديك والحصان والخروف والقط وفي الطرف المقابل الأصوات المطلوب الربط بينها وبين الحيوان الذي يصدرها, وهي المواء دون توقف, التقرب من الأنثى وتحريك الذيل, الصهيل وكثرة الحركة أمام الأنثى ,الثغاء بصوت مرتفع. وتحت عنوان تعلمت.. يقوم كل حيوان بسلوكات -هكذا كتبت – في فترة التكاثر فتصدر بعضها أصواتا غير مألوفة, ويقوم بعضها الأخر بحركات ورقصات.

لا أدري كيف يستقبل طفل في السابعة من عمرة هذا الدرس وما جدواه وكيف سيشرحه المعلم أو ولي الأمر. وان كانت مدرسات الابتدائي اجتهدن واحضرن الأرز والزيت والماء في الفصل لتعليم الأطفال كيفية طبخ الأرز علي نار هادئة وفق منهج اللغة العربية فماذا سيفعلن أمام الأطفال في درس التكاثر! وان كان الربح السريع هدف العناوين الشاذة في معرض الكتاب حتي لو انحدروا إلي قاع القاع فما هو هدف وزارة التربية والتعليم من درس أصوات الحيوانات وقت التكاثر. أية قيمة تربوية أو علمية يضيفها هذا الدرس في تلك المرحلة؟

صدق د. رأفت رضوان حين علق علي أحد مقالاتي المنشورة منتصف يونيو الماضي بعنوان خارج الخدمة بقوله.. لا التعليم غير السلوك ولا قلة التعليم حسنت الممارسة فهل نفكر في المكون الغائب وهو التربية والمقصود بها ذلك المفهوم الواسع الذي يعد التعليم أحد مكوناتها, والذي يحتم أن يكون تطوير التعليم في إطار تربوي شامل يركز علي بناء الشخصية الوطنية ذات القيم والمبادئ المتميزة في تخصصها وأعطي مثالا علي ذلك بالدكتور مجدي يعقوب. فهل ما يقدم الأن علي الأرصفة وفي المعارض وفي الكتاب المدرسي سيخرج لنا قادة الفكر والتنوير والعلم؟