في أقل من شهرين تسارعت وتيرة الأزمة التي بدأت علي أرض الشقيقة ليبيا قبل مايقرب من تسعة أعوام ، ورغم مرور هذه السنوات ومع كثرة الأحداث وتطوراتها ومع تعدد محاولات الحل سواء في المغرب أو القاهرة باريس و بالريمو لم تتوصل الأطراف إلي حل يتوقف معه الصراع وتحقن معه الدماء ، هل لأن نوايا المشاركين لم تكن خالصة ؟؟!! أم لأن الشعب الليبي لا يود العيش في سلام ؟؟!!
والآن وبعد عدة أيام فقط من إجتماع أطراف النزاع في موسكو والفشل مرة أخري في الوصول لنتائج ملموسة تحد من سيل دماء الأشقاء علي الأرض ، وقبل ساعات قليلة من مؤتمر برلين والذي ستحضره أطراف دولية وإقليمية بالإضافة إلي الأطراف المحلية ، هل ستنجح برلين في لم شمل الفرقاء الليبين ؟؟!!
والحقيقة من وجهه نظري المتواضعة أن الفشل يكمن في عدة نقاط أساسية ربما لن يتوفر معها حل جوهري، إن لم يتمكن المجتمع الدولي من إقتحامها بشجاعة ، أول هذه العقبات تكمن في نظرة المجتمع الدولي نفسه للأوضاع في ليبيا وماذا يريد منها ، هل تريد الأطراف الدولية للدولة الوطنية الليبية أن ترجع مرةً أخري بكل مؤسساتها؟؟!! كي تمارس دورها في خدمة شعبها وتقوية عضال دولتها التي تمتلك خامس أحتياطي نفطي علي الصعيد العالمي ، أعتقد أن الأمور تسير في سياق آخر بدليل مشاركة تركيا الدولة التي لا تمتلك أي مبررات لوجودها علي طاولة المفاوضات ، وإنما فرضتها المصالح الخاصة وإحتمالات التقسيم لكعكة الغاز والبترول الليبي بالإضافة إلي مكاسب إعادة الإعمار ، وماحدث في كل من العراق وسوريا ليس ببعيد ، هذا الطموح الدولي هو من ضمن وجودها كطرف رئيسيي علي الطاولة ، رغم أنها دولة معتدية وكل ماتملكة هو إتفاق مشبوه مع أحد الأطراف المتصارعة وكان الأجدر أن يدافع عن هذا الإتفاق الطرف الذي وقعه معها والذي لايملك شرعية حقيقية للتوقيع بدليل أننا نتفاوض الآن علي أحقيته في ذلك .
العقبة الأخرى هي أن معظم هذه الدول الأوروبية المجتمعة إلي جانب روسيا وأمريكا ، تعتقد أن الحل يجب أن يصدر عنها هي وتنفذه الأطراف الليبية، والواقع يقول أن الأطراف الليبية هي من يجب أن تقترح الحلول التي تناسبها بما يمتلك كل طرف من أوراقه وقوة وجوده داخل المجتمع الليبي،ويأتي دور دول الجوار مصر ثم الجزائر وتونس في دفع هذا الإتجاه التفاوضي، ثم يأتي دور الدول الإقليمية والقوي الكبري في ضمان تنفيذ مايتم الإتفاق عليه بما تمتلكة كل منها من نفوذ وأوراق للصغط علي هذا الطرف أو ذاك .
الواقع يقول أن السلاح موجود بيد الأطفال والصبية الصغار في ليبيا الشقيقة بكميات هائلة وخاصة بأحياء طرابلس ومصراته نظراً لكونها كانت المسرح الأول للأحداث هناك ، والذي شهد تناحر طويلًا بين فصائل متعددة تختلف في أيدلوجياتها ، وكذلك كانت ملاذاً مناسباً لكثير من موجات الإرهاب الداعشي الذي أُجبر علي مغادرة مسارح أخري في العراق وسوريا وربما يكون من أجبره علي الرحيل هو من كتب له شهادة ميلاده ، كما أن قراءه تطور الأحداث خلال الأشهر الماضية تذكرنا أن الجيش الوطني الليبي هو من أستطاع التخلص من هذه المليشيات وفرض الأمن علي الجزء الأكبر من التراب الليبي وعوده مايشبه الحياه الطبيعية لعدد كبير من المواطنين الليبين ، لذلك فأي حل لا يمثل الجيش الوطني الليبي جوهره وعموده الفقري لن يصمد طويلاً ولن تكون للرؤي السياسية أياً كان بريقها حظاً كبيراً من النجاح ، فلا يمكن أن تكون هناك دولة وطنية بدون مؤسسات ولن تكون هناك مؤسسات وطنية تنال إحترام المواطنين دون ضمان حمايتها وعدم المساس بها .
لذلك فعلي الدول المشاركة في مؤتمر برلين وخاصة العظمي منها إن كانت جادة في مساعيها مخلصة في نواياها ، أن تعطي الأولوية للمقترحات الليبية والتي تكتسب مساندة ودعم دول الجوار الأولوية في البحث والمفاوضات ، خاصةً أنه مع تفاقم الأوضاع اكثر من ذلك مؤكد سيصحبه مزيد من المخاطر التي يمكن أن تتعرض له هذه الدول ، والشاطيء الأخر من المتوسط لن يكون بعيداً عن عيون وأقدام موجات من المهاجريين غير الشرعيين ومايصاحبها من موجات الإرهاب الذي يبحث طوال الوقت عن موطن .