لن يكتمل تأمين سيناء، إلا بتنميتها، باعتبارها البوابة الاستراتيجية، الشمالية الشرقية، للأمن القومي المصري، فيما يطلق عليه ” الاتجاه السيناوي”؛ فقد كانت سيناء، منذ فجر التاريخ بوابة، منفذ كل الهجمات التي طالت مصر، بدءاً من هجوم الهكسوس، عليها، في نهاية حكم الأسرة الرابعة، من العصر الفرعوني، والتي انتهت بنجاح الملك أحمس الأول في طردهم. مروراً بالحروب الصليبية، التي حاولت التقدم نحو مصر، من اتجاه سيناء، إلا أن هجومهم انهار أمام قوات صلاح الدين الأيوبي، وبعد ذلك قامت دولة المماليك بتأمين سيناء، خاصة بعد ظهور الخطر المغولي، ومن بعده الخطر العثماني، الذي دخلت قواته مصر عبر سيناء.
كما وصلت الفتوحات الإسلامية إلى مصر، ومنها إلى دول شمال أفريقيا، عبوراً من سيناء، بعدما تقدم عمرو بن العاص لفتح مصر، عبر طريق حورس، في شمال سيناء، فدخل العريش، وتقدمت قواته إلى الفرما، ومن بعدها إلى بلبيس، ثم القاهرة. وعندما شن الفرنسيون حملتهم على مصر، وقعت المعارك على أرض سيناء، بين القوات العثمانية والفرنسية، أملاً من نابليون في الامتداد منها إلى بلاد الشام، إلا أنه بفشل نابليون انتهت الحملة الفرنسية على مصر. وفي العصر الحديث، ومع بداية القرن التاسع عشر، عندما تولى محمد علي حكم مصر، عام 1805م، سير محمد علي جيشاً برياً، وآخر بحرياً، إلى الشام، عبر سيناء. وفي عام 1956، اتخذ العدو الإسرائيلي من سيناء ممراً، للهجوم على مصر خلال العدوان الثلاثي، وبعدها في حرب 1967، احتلت إسرائيل سيناء بالكامل، حتى نجحت قواتنا المسلحة، الباسلة، في تحريرها، واستعادة كل شبر فيها، في حرب أكتوبر 1973.
وفي السنوات الأخيرة الماضية، وبعدما ألّم بالمنطقة العربية، من أحداث واضطرابات سياسية، جسام، استغلتها الجماعات الإرهابية، المتطرفة، لتمركز عناصرها في سيناء، فصار رفع تأمين سيناء مطلباً استراتيجياً، وأحد أهم من متطلبات الأمن القومي. وهنا اتخذت الإدارة السياسية قراراتها، بألا يقتصر تأمين سيناء، على النمط التقليدي، المرتبط بالجيش والشرطة، فرغم كل الإجراءات التي اتخذتها القوات المسلحة المصرية، من إنشاء قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، للتحكم، والسيطرة، على جميع القوات، والعناصر، المخصصة لتأمين سيناء، ضد أي عمليات إرهابية، والتي أجزم بأنها آتت أكلها، محققة، من الناحية العسكرية، كافة المطالب، والأهداف العسكرية، بعدما توحدت عمليات التخطيط والقيادة والسيطرة. إلا أن قرار تأمين سيناء، امتد ليشمل النواحي المدنية، والتنموية.
تم وضع خطة متكاملة، لتنمية سيناء، بدأها الرئيس السيسي بربط سيناء، بمحافظات دلتا نهر النيل، من خلال خمس أنفاق، وكباري، وهو ما كان النواة الأولى لتنميتها، بتيسير سبل الانتقال منها، وإليها، وإخراجها من عزلتها الجغرافية، فكانت تلك المحاور، الجديدة، بمثابة شرايين الحياة لسيناء … أما داخل محافظاتها، ومدنها، فقد بدأ العمل في العديد من المشروعات التنموية، التي قد نفرد لها مقالاً، آخر، مفصلاً، لنفيها حقها، من بينها، قرار السيد رئيس الجمهورية، باستصلاح، وزراعة، 400 ألف فدان، شرق قناة السويس، بالاعتماد على مياه مصرف بحر البقر، تأسيساً على ما كان قد بدأه سيادته، منذ توليه رئاسة المخابرات الحربية، بالقوات المسلحة المصرية، بأن يرتكز تنمية سيناء على محورين، تطوير البنية الأساسية، وتوفير الموارد المائية، لتكوين تجمعات حضارية لبدو سيناء.
يهمني هنا الإشارة، بإجلال، إلى أهالي، وسكان، سيناء، وإلى دورهم العظيم في مساعدة القوات المصرية، بعد حرب 67، خلال حروب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 73، ضد العدو الإسرائيلي، وما بذلوه من تضحيات في تلك الفترات، وما عانوه من بوجود القوات الإسرائيلية على أراضيهم، وهو ما كان لزاماً معه، أن يتم تعويضهم، عن سنوات الحرمان الطويلة وسوء المعاملة من الجانب الإسرائيلي، بعد عودة سيناء إلى أحضان الوطن الأم. وفي ظل محدودية الإمكانات، بعد عقود من الحرب، قامت الدولة، حينئذ، ببناء مجموعة من المساكن، ذات الطابع البدوي، ومدرسة من فصل واحد، ومسجد لكل مجموعة من العناصر البدوية، طبقاً للقبائل الموجودة في كل منطقة، واستلمها بدو سيناء، بالفعل، إلا أنهم ما لبثوا أن هجروها، بحثاً عن الماء؛ فأينما كانت المياه والعشب، كانت الحياة. ولتدارك المسألة، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بضرورة حفر آبار المياه، في سيناء، والبناء حولها، لتوطين أهالي سيناء في مجتمعات عمرانية.
كما تم، مؤخراً، افتتاح المرحلة الثانية، من قرية الجدي النموذجية، التي تضم 70 منزلاً متكاملاً، ووحدة صحية، ومركزاً للشباب، ومسجداً، ومدرسة، وبئر مياه عميقة، ومحطة لتحلية المياه، ومنطقة للزراعات المكشوفة، وقد كانت المرحلة الأولى تضم 30 منزلاً. جدير بالذكر أن تلك المشروعات، يتم تنفيذها بسواعد مصرية، تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وبتمويل من محافظة شمال سيناء، وبعض مؤسسات القطاع المدني، وتم إطلاق أسماء شهداء سيناء على كل منشآت هذه القرية. فكانت تلك الخطوة الأولى لتوطين بدو سيناء، حول الأرض الزراعية، ومصادر المياه الثابتة، وهو ما يتوقع معه تحول نوعي في نمط حياة أهالي سيناء، من الرعي إلى الزراعة، مستفيدين من خصوبة التربة، وصلاحية أرض سيناء لإنتاج محاصيل، خاصة، تشتهر بها هذه المنطقة.
كما إن وجود المدارس والمؤسسات التعليمية اللازمة، من شأنه تخريج دفعات، من أهالي سيناء، في مختلف التخصصات، والأفرع، سواء في العلوم المدنية، أو العسكرية، واختلاطهم بباقي عناصر الشعب المصري، باعتبارهم جزء، لا يتجزأ، من نسيج المجتمع المصري، الذي حالت التنمية دون انصهارهم فيه، في الماضي القريب، وهو الأمر الذي طالبنا، دوماً، بتغييره إلى لأفضل. وهكذا تمضي مصر، بخطى ثابتة، في خطة تنمية سيناء، ليس فقط من الناحية العسكرية، وإنما من اتجاه التنمية البشرية … وبذلك نكون قد وجدنا الحل، في تأمين سيناء، في أيدي أبنائها، رجالًا ونساءً.