لواء دكتور سمير فرج يكتب : التحرش التركى فى شرق المتوسط
فى تطور بالغ الخطورة، وقعت حكومة فايز السراج مع الحكومة التركية اتفاقيتين؛ إحداهما حول التعاون الأمنى بين الدولتين، والأخرى لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، وقد وقع على هذا الاتفاق فى إسطنبول رجب طيب أردوغان، وفايز السراج رئيس الوزراء الليبى فى طرابلس. وبهاتين الاتفاقيتين ستواصل تركيا سياسة التحرش فى البحر المتوسط للمرة الثانية، حيث كان التحرش الأول عندما قامت بعمليات التنقيب عن الغاز أمام السواحل القبرصية، حيث انتقد الاتحاد الأوروبى هذه الإجراءات وقام منذ أسبوعين بفرض عقوبات على تركيا لانتهاكها سيادة إحدى دول الاتحاد الأوروبى وهى قبرص.
ولقد رفضت الحكومة الليبية فى شرق البلاد هذا الاتفاق الأخير، واعتبرت هذه الاتفاقات غير شرعية، كذلك رفض البرلمان الليبى المنتخب شرعياً هذه الاتفاقيات، وأعلن أن أى اتفاق بين ليبيا وأى دولة أخرى يجب أن يحصل على تصديق البرلمان الليبى، وفقاً للدستور الليبى. كما صرح رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى فى البرلمان الليبى طلال الميهوب أن الاتفاق الأمنى الجديد الذى وقعته حكومة السراج مع تركيا، هو تطور خطير لتدخل تركيا فى الشأن الليبى، قائلاً إنه بعيداً عن موافقة وتصديق البرلمان الليبى، الذى هو الوحيد الذى له سلطة التصديق على المعاهدات الدولية طبقاً للدستور الليبى، فإن هذا الاتفاق هو غطاء مشبوه لتسليح المليشيات الموجودة فى طرابلس، والتى تهدد الأمن القومى الليبى.
وبناء على هذا الاتفاق فإنه من المتوقع أن ترسل تركيا فى القريب العاجل المزيد من الأسلحة التركية إلى طرابلس، لدعم حكومة السراج فى قتالها ضد قوات الجيش الليبى بقيادة المشير حفتر، كذلك يرى بعض المحللين قيام تركيا بإرسال العناصر الداعشية التى تم طردهم من سوريا، كما أن هذا الاتفاق الأمنى قد يسمح لتركيا بإرسال قوات عسكرية مثلما فعلت فى الدوحة وذلك لتدعيم قوات المليشيات والمرتزقة فى طرابلس، وهذا بالطبع سيقوى مركز فايز السراج عسكرياً، وبالتالى قد يزيده قوة وصلابة فى أى مفاوضات سياسية مستقبلاً.
وأظهرت الوثائق الليبية قيام حكومة السراج فى طرابلس بتحويل مبالغ مالية لشركة SSTEX التابعة لوزارة الدفاع التركية، التى يرأس مجلس إدارتها رجب طيب أردوغان، حيث طلبت حكومة طرابلس من مصرف ليبيا المركزى، تحويل مبالغ خلال الفترة الماضية لصالح هذه الشركة التركية، لصالح ما سمته احتياجات خاصة لحكومة طرابلس! خاصةً أن شركة BMC التركية، التى تقوم بتصنيع العربات المدرعة التركية، تمتلك ٥٥% من الشركتين SSTEX وBMC، وهى التى صدرت من قبل ٧٠ عربة مدرعة تركية إلى طرابلس فى الأشهر الماضية، مخترقة بذلك الحظر الدولى المفروض على ليبيا منذ عام ٢٠١١، بمنع إمداد ليبيا بالأسلحة والمعدات العسكرية.
وأدانت الخارجية المصرية فى بيان رسمى هذه الاتفاقية وأشارت إلى أنها معدومة الصلاحية والأثر القانونى، حيث إن المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات السياسى بشأن ليبيا، والذى وافقت عليه كافة الفصائل الليبية، حدد اختصاصات رئيس الوزراء الليبى، وبوضوح فإن حتى رئيس الوزراء لا يملك منفرداً صلاحية عقد أى اتفاقات دولية، كذلك أضافت وزارة الخارجية المصرية أن مجلس الوزراء الليبى الحالى برئاسة السراج هو منقوص العضوية، ويعانى حالياً خللاً جسيماً فى تمثيل المناطق الليبية، وأن كل ما يفعله السراج مع تركيا، يُعد خرقاً لاتفاق الصخيرات. وأضافت وزارة الخارجية المصرية أن هذه الاتفاقات لا يترتب عليها أى تأثير على حقوق الدول المطلة على البحر المتوسط، وليس لها أى أثر على منظومة ترسيم الحدود البحرية، فى منطقة شرق المتوسط التى تم توقيع دول المنطقة عليها.
كما أدانت كلاً من اليونان وقبرص هذه الاتفاقيات بين تركيا وحكومة فايز السراج، وأضافت اليونان أنها لن تستطيع تغيير الواقع للحدود البحرية فى المنطقة، ومن هذا المنطلق يأتى التحرش التركى الثانى فى منطقة شرق المتوسط بهدف خلق وإثارة المزيد من المشاكل، ومحاولة تغطية وإخفاء المشاكل الجسيمة التى تعانيها تركيا فى الداخل، خاصةً من الناحية الاقتصادية، والبطالة وهبوط الليرة التركية، كذلك الانتقادات التى وُجهت اليها من الاتحاد الأوروبى، وأخيراً خلال هذا الأسبوع الانتقادات الحادة الموجهة من الرئيس الفرنسى وللأسف جاء رد الرئيس التركى أردوغان على الرئيس الفرنسى ماكرون بعبارات لا تليق أن تصدر من رئيس دولة إلى رئيس أحد أكبر الدول فى العالم، ومن ذلك كله يتبين لنا أن مصر كانت فى منتهى الحكمة والرؤية المستقبلية الثاقبة، حين قررت منذ عدة سنوات دعم قواتها البحرية، من أجل الحفاظ على ثرواتها الطبيعية فى منطقة شرق البحر المتوسط، كذلك سوف يؤدى هذا التحرش التركى الجديد ودعمه حكومة السراج إلى تفاقم المشاكل فى المؤتمر القادم، المنتظر عقده فى ألمانيا، أملاً للوصول إلى تسوية سلمية للأزمة الليبية الراهنة.